حازم مبيضين بعد أن اقتص الشعب الليبي من عقيد الغفلة, وأرسله إلى حيث يستحق, فلم يعد قادراً على الدفع, قرر النائب العراقي السابق, والفار من وجه العدالة, والمقيم في دمشق مشعان الجبوري, مالك قناة الرأي, عدم السماح لاثنين من أبواق ملك الملوك, وهما المشعوذ يوسف شاكير ورفيقه حمزة التهامي, بالظهور على هذه القناة, وبرر الجبوري قراره بأن الاثنين يحرضان على قتل المدنيين في ليبيا, وهو مالا يسمح به ( الاعلام السوري النزيه ),
فقرر إيقافهم وعدم ظهورهم على قناة الممانعة والمقاومة, بسبب عدم تقيدهم بالأوامر المعطاة, إذن فقد كان أزلام القذافي يعملون وفق أوامر الجبوري, رغم أنه كان يقبض ثمن ظهورهم على فضائيته البائسة. بالتأكيد نحن لا نتحدث عن الجبوري كشخص, فأمثاله في عالمنا العربي أكثر من الهم على القلب, لكننا نتحدث هنا عنه بوصفه ممثلاً لظاهرة في الإعلام العربي, تتميز بالنفاق لصاحب السطوة والنفوذ, ويتذيل أصحابها لكل من يملك المال, فيبيعونه أصواتهم وأقلامهم, ويسعون لتسويق بضاعته, وهي ظاهرة كانت شديدة البروز في الصحافة اللبنانية في ستينات وسبعينات القرن الماضي, حيث لكل صحيفة ممول خارجي, تنطق باسمه وتدافع عن سياساته, وكانت الأنظمة تفخر بعدد الصحف المؤيدة لها, لكن تلك الظاهرة لم تشمل الصحف اللبنانية كافة, فقد ظل فيها صحف مستقلة, لم تكن مستعدة لتأجير أو تجيير حبرها وورقها لغير قناعات مالكيها, وتلك هي التي حظيت باحترام الجمهور, بمن في ذلك قراء الصحف المأجورة.بعد أن سيطر السلاح على الشارع اللبناني, تعرفنا إلى الصحافة العربية المهاجرة, وهي في معظمها أيضاً كانت تنطق باسم أنظمة تمولها, ولعل الكثيرين من العراقيين يتذكرون تلك المجلات المتخصصة بمديح القائد الضرورة, وهي تصدر من لندن وباريس, وكيف انقلبت واحدة منها بعد حرب الخليج الثانية وصارت ناطقة باسم السعوديين الذين اشتروا ذمة صاحبها, الذي كان واحداً من قلائل يحظون بإجراء مقابلات مطولة ومباشرة مع صدام حسين, وقيل يومها إن الرجل اكتسب هذه (الحظوة) ليس لحرفيته كصحافي, وإنما لخفة دمه ولاعتماده اسلوب التهريج والتنكيت, مما يجعل (قعدته) مسلية, بخاصة لرجل مثل صدام, الذي كان أول من أسس لاستئجار الصحافة العربية المهاجرة, وتبعه بعد ذلك كثيرون, لكن هذا العصر أفل بحكم التطور التقني, الذي قلص مساحة تأثير الصحافة الورقية لصالح غيرها. بعدها جاء عصر الفضائيات والانترنت بحسناته وسيئاته, والمدهش أن الكثيرين لجؤوا إلى السيئات, وابتعدوا عن الحسنات, فأسست أنظمة عربية فضائيات تنطق باسمها وتروج لسياساتها, لكنها حرصت أن تنطلق تلك الفضائيات من خارج حدودها, وتكاثرت كالفطر المواقع الإلكترونية, على شكل صحف بائسة تسرق الأخبار من بعضها, لكنها تفسح مجالاً واسعاً لمعلقين أميين يتنابزون بالألقاب, ويثيرون الفتنة بكل وجه من وجوهها القبيحة, ومعظم هذه المواقع التي يديرها صحفيون مبتدئون, تلجأ إلى الإبتزاز من خلال نشر الفضائح, وهنا ومن خلال أي متابعة بسيطة يمكن ملاحظة الانقلابات في توجه تلك المواقع, فالفاسد واللص اليوم, يتحول غداً وبقدرة قادر إلى بطل قومي, ومدافع شرس عن النزاهة, وإلى رجل ناصع السيرة والمسيرة.مشعان الجبوري مثال ساطع على بؤس بعض الاعلاميين, المستعدين لنقل أقلامهم إلى الضفة الأخرى, وسفح حبرها رخيصاً عند أقدام من يدفع أكثر, وهم بعد كل ذلك يدعون بصفاقة أنهم أبطال مناضلون على طريقة القذافي, الذي ظل يصرخ أنه المجاهد المناضل الثوري, قبل أن يعثر عليه الثوار مختبئاً كالجرذ في مواسير تصريف القاذورات.
في الحدث :الجبوري وبؤس الإعلام
نشر في: 1 نوفمبر, 2011: 09:16 م