عبد الخالق كيطانما حدث في الأسابيع الماضية من تصعيد ضد البعثيين بحجة "المؤامرة" هو تتمّة لما حدث في سنوات ما بعد التغيير. وفي كلّ الأحوال، فإن الخاسر من تلك الإجراءات ليس البعثيين، وإنما الشعب ومستقبله.
البعثيّون المتورطون بجرائم كبيرة ضد أبناء شعبنا فرّوا أو اعتقلوا أو قتلوا بعيد العام 2003. الذين فرّوا منهم لديهم أموال ضخمة، وبعضهم لجأ إلى بعض دول الجوار، وخاصة سوريا. وهم هناك يعيشون بسلام، ولكن الدول التي يقيمون فيها، وبضمنها سوريا، تستخدمهم كأوراق ضغط ضدّ الحكومة العراقية، كما استخدم نظام صدام منظمة مجاهدي خلق كورقة ضغط ضد النظام الإيراني. ايّ تجاوز للحدود المسموح بها في تلك الدول يعرّض هؤلاء إلى ما لا يحبّون. قدرتهم على العمل داخل العراق محدودة للغاية لسببين: الأول يتمثل في الرفض الشعبي لهم في مختلف مناطق العراق، والثاني كونهم مطلوبين فعلاً للقوات الأميركية كما للحكومة العراقية، ناهيك عن الميليشيات، فأي سيئ حظ يقوده "وهمه" لدخول العراق بعد أن نجا بنفسه منه؟ ولأن هؤلاء مطلوبون بجرائم كبرى داخل العراق وخارجه أيام نظام صدام فهم مطلوبون من قبل أغلب دول العالم. أسماؤهم موضوعة على اللائحة السوداء. بعضهم زوّر وثائقه حتى يحصل على فرصة في هذه الدولة أو تلك، ولم يحصل. الله قبل البشر يعاقبهم على ما اقترفت أياديهم في العراق طيلة 40 عاماً.أما البعثيون من الدرجات الصغيرة، وهم الأغلبية الساحقة من أبناء شعبنا ممن اضطرتهم ظروف الحكم إلى أن ينتموا لهذا الحزب، فهؤلاء هم الضحايا الحقيقيون لحزب البعث، ولكن حكومتنا الرشيدة لا تريد أن تصدّق أن هؤلاء أبرياء، وإن واجبها يحتّم فتح صفحة جديدة مع عموم أبناء الشعب، ومحاولة طي صفحة الماضي الأليمة. فماذا ستكون النتيجة؟يعتقد الكاتب أحمد المهنا، ونعتقد معه، أن "سياسة اعلان الحرب على البعث شكلت احد الاسباب المهمة في اعادته نوعا ما الى الحياة، وفي تنميته أيضاً"، ويضيف مدللاً: "الاجراءات السياسية القمعية تولد نتائج عكسية. عام 1959 لم يكن عدد البعثيين يزيد على بضع مئات. ولكن ما ان هتف الشيوعيون "الما يصفق عفلقي"، حتى تضاعفت أعدادهم وازدادت شعبيتهم".. ألا يذكركم هذا الكلام بقاعدة مهمة وأساسية في علم النفس والاجتماع مفادها: "كل ممنوع مرغوب"؟الحكومة العراقية، باستمرار حديثها عن "مؤامرات" بعثية، تريد أن تجعلنا نصدق ذلك، ولو صدقنا فإن بيننا من سيخرج ببيان يشبه البيان الذي وزع أخيراً في محافظة ذي قار، ومفاده أن تنظيما تابعا لحزب البعث المنحل، وزع منشورات في المحافظة تدعو الى الانقلاب على الحكومة وتتعهد بنصرة ذوي البعثيين الذين اعتقلوا مؤخرا في المحافظات العراقية.ولا تعتقدوا أن مثل هذا البيان لن يجد له أذاناً مصغية، أما لماذا فلأن الناس تعيش في وضع معيشي بائس، وخط الفقر في العراق في أدنى مستوياته، والنقمة الشعبية ضد النخبة السياسية لا ينكرها إلا مخبول، ثم تأتي إجراءات الاعتقال والتخوين و 4 إرهاب لتزيد من الواقع المأساوي للناس... الأرضية مهيأة جداً لمن يريد الوقوف بوجه الفساد والنهب المنظم للثروات، ومثلما طمع العراقيون بالـ"برابرة" لينقذوهم من نظام صدام في التسعينيات فإنهم اليوم قد يلجؤون إلى ما هو أبشع من البرابرة. لا حلّ سوى بالتسامح... وطي صفحة الماضي.
عين: البعث: فرصته ليقوى
نشر في: 2 نوفمبر, 2011: 08:41 م