TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > نحن والعدالة :تدخل القضاء والقصور فـي التشريع القانوني

نحن والعدالة :تدخل القضاء والقصور فـي التشريع القانوني

نشر في: 4 نوفمبر, 2011: 07:30 م

 الحقوقي /علي العبيدي القصور في التشريع ظاهرة حتمية حتى في ظل الظروف الطبيعية للمجتمع ، لان وقائع الحياة بما تتضمنه من حركة وحيوية ونزوع دائم نحو التطور ليست امراً جامداً أو ثابتاً على حال، حتى يمكن أن يحتويها نص قانوني ، وهذا هو معنى القول الشائع (إن دوام الحال من المحال)، فضلا عن أن تطلعات الإنسان المتجددة والتقدم العلمي الهائل والمستمر بما يثيره من مسائل ونزاعات قانونية وحقوق ،
لا يمكن أن يقفا عند حد معين ،ولا يمكن للمشرع مهما كان حصيفا وحريصاً ان يتنبأ بها الا على سبيل الافتراض ، والافتراض قاصر ومحدود ونسبي ، ولما كان التشريع بحكم صياغته ما هو إلا معنى يفرغ في لفظ معين ، فقصوره بالنسبة للمستقبل أمر لا مفرّ منه لان المعنى متى حبس في اللفظ ، قعد به الجمود عن ملاحقة ما يجد من الوقائع اللامتناهية ، والتطور سنة دائمة لا مفر من التسليم بحكمها . فتكون محاولة البحث والتقصي عن حلول للمسائل المتجددة في التشريع القائم  امراً عصياً او حتى مستحيلاً، فتكون حلوله غير ملائمة أو غير عادلة (5). وقد ابتكر القضاء عبر التاريخ حلولاً متنوعة لمعالجة القصور التشريعي منها اللجوء إلى الحيلة القانونية أو اللجوء إلى قواعد القانون الطبيعي أو قواعد العدالة.ويتدخل القضاء لمعالجة القصور في التشريع تحت ستار الاجتهاد في التفسير.والاجتهاد لغة: بذل الجهد لإدراك أمر شاق. واصطلاحاً: بذل الجهد لإدراك حكم شرعي.واجتهاد الرأي يكون على الأغلب في حالتين: الأولى: عدم وجود نص يحكم حالة أو واقعة معينة لأنه ( لا مساغ للاجتهاد في مورد النص). والثانية هي حالة وجود النص ، ولكنه نص غامض تتسع عباراته لمعاني ودلالات مختلفة ويختلف الفقهاء في تفسيره كلّ حسب اجتهاده وتتبع في مثل هذه الحالة قواعد التفسير.ومثال هذه الحالة الاختلاف في تفسير قوله تعالى ( وَالْمُطَلّقَاتُ يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلّ لَهُنّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِيَ أَرْحَامِهِنّ ) (6)، فرغم وجود النص فقد اختلف الفقهاء في المقصود من (القرء) وهل هو الحيض أم الطهر.فقد يرى القاضي وهو ينظر في نزاع عرض عليه  أن النصوص القانونية القائمة لا تتلاءم مع الظروف الاجتماعية السائدة وفي مثل هذه الأحوال يمكن للقاضي أن يلجأ إلى حلول متنوعة، بان يتوسع مثلا  في مدلول معيار الغاية بان يعطي للنص تفسيراً متطورا  من خلال التوسع في المعنى الجوهري للنص القانوني القائم فإذا تعذر إدراك قصد المشرع بصورة ظاهرة أمكن البحث عنه  في المبدأ العام للقانون وروح الشريعة التي استمد منها القانون عموم أحكامه أو بالاستعانة بأحد المبادئ التي استقرت في الضمير القانوني الإنساني بصورة عامة أو ما استقر عليه الفقه من آراء بالتأمل في روح النظام الاجتماعي ، وإذا تعذر رغم ما تقدم من وسائل إيجاد حل للحالة، فان القاضي يستطيع الاستناد إلى وجهات نظر لا تزال غير  محدودة وغير ملزمة بصورة عامة إلا أنها اعتبرت خلال فترة من الزمن أسانيد  قانونية انسلخت على الأغلب  من الأفكار النامية للمبادئ القانونية أو من طبيعة الأمور ذلك أن القاضي ملزم  بإيجاد حكم لكل حالة معروضة عليه وبخلافه يعتبر منكراً للعدالة .وفي كل هذه الأحوال ينبغي على القاضي أن يبقى في نطاق  المبادئ والغايـــات التي يقوم عليها النظام القانوني عند تقدير ملائمة الحلول للحالة المعروضة عليه فلا يأتي بحلول شاذة أو غريبة عن مجتمعه ومعياره في ذلك هو معيار النظام العام والآداب السائد في مجتمعه مستلهماً روح النظام القانوني والغايات الاجتماعية النبيلة ،دون أن يستند إلى أفكاره ومعتقداته الشخصية (7 (.تأثر المشرع العراقي بالاتجاهات الحديثة في تفسير القانون ومنها آراء المدرسة التاريخية التي أنشأها الألمانيان سافيني وفيخته،والتي ترى أن التشريع  يستقل عن المشرع ويعيش حياته المستقلة في الجماعة ذاتها ويخضع في تفسيره لكل التطورات التي تحدث داخل الجماعة، وكما يوضح الأستاذ السنهوري رحمه الله، أن القانون هو نبت البيئة وغرس الأجيال المتعاقبة يتطور من مرحلة إلى أخرى ويتخطى أعناق القرون يسلمه الآباء للأبناء والأبناء للأحفاد وهو في كل مرحلة يصطبغ بصبغتها وينضح بلونها. كما اخذ المشرع العراقي بالتفسير الموسع المتطور للقانون في المواد ( 1 ، 2 ، 3 ) من قانون الإثبات رقم (107) لسنة 1979 .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram