عامر القيسي لو أننا نمتلك لغة حوار حضارية ومرجعية دستورية يحترمها الجميع، لما وجدنا أنفسنا في كل منعطف سياسي أمام أزمات ومشكلات تتوالد كالأرانب. كل شيء لدينا قابل لأن يتحول إلى مشكلة بين ليلة وضحاها. ولو اننا دققنا جيدا امام السلوك السياسي البراغماتي الذي تتبعه القوى السياسية المتصدية للعملية السياسية وفعالياتها الأخرى، المؤيدة و"المعارضة" لاتّضح لدينا أنها تسوق خطاب وسلوك اقتطاع "الكيكة"
وكأن العراق ليس وطن الجميع وان استغلال الفرص والأخطاء لجني المكاسب هي السمة البارزة في التطبيق العملي لبرامج الكتل السياسية. قضية الأقاليم وتحديدا إعلان صلاح الدين إقليما، اتسمت معالجاتها بالتشنج والحدة، فهذا يقطع الأيدي وذاك يقص الألسن وثالث يهدد علنا ومبطنا.. والسبب، غير أن العملية السياسية بنيت على مبدأ الهوية، وانما افتقارنا إلى لغة حوار وعدم احترام مرجعية الدستور. الدستور يقرّ بالأقاليم ولكن كيف؟ هذا هو السؤال الذي ينبغي أن يجلس الجميع معا ليجيبوا عليه ويعالجوا مكامن الخطأ في الإجابة ويتوصلوا الى حلول ترضي الدستور وليس الجميع، لان أرضاء الجميع غاية لا تدرك. دول عديدة وكثيرة سبقتنا في تجربة الاقاليم ولدينا تجربة ناجحة في هذا المضمار هي تجربة اقليم كردستان ولدينا دستور يقرّ بان العراق اتحادي فيدرالي، فما وجه التشنجات والتهديدات والاتهامات بين الحكومة الاتحادية والمطالبين بالأقاليم؟ لا ينبغي علينا العبور على المشكلة واغماض العين عنها وعدم تلمسها، بغض النظر عن التدخلات والاجندة الخارجية الغارسة في الشأن العراقي، علينا الاعتراف باننا بسبب افتقادنا للغة الحوار وانعدام الثقة فيما بين النخب السياسية التي تدعي تمثيل مكونات شعبنا والخوف من الماضي والمستقبل، لن نستطيع الآن ولا في المستقبل القريب والبعيد معا ان نحل حلا جذريا المشكلات المستعصية البارزة في المشهد السياسي منذ سقوط الدكتاتورية حتى اللحظة. وهذه حقيقة لاتحتاج الى كثير أدلة فهي ملقاة على قارعة الطريق كما يقول الجاحظ. دلونا فقط على مشكلة استطعنا ان ننتهي منها ونحيلها الى الماضي نهائيا ؟ لا المصالحة ولا الاقاليم ولا التوافقات ولا القوانين المؤجلة ولا حتى المحاصصة التي اتفق عليها الجميع وجدنا لها حلولا جذرية ونسيناها لنفتح ملفات أخرى!!اللامعالجات هي السمة البارزة عند طبقتنا السياسية بسبب التخندقات بمختلف اشكالها، لذلك على هذه الطبقة ان تكف عن اللعب بمصائر الملايين وان تجلس حقيقة وليس من باب المجاملات لتضع النقاط على الحروف وتفكك المشكلات بروح الحوار والمسؤولية والحرص على مستقبل هذا الوطن المبتلى حقيقة بهذه الطبقة السياسية، التي عليها ان تنزع الى الأبد ثوب الانانية المفرطة في تعاملها مع مشكلات البلد وازمات الناس ومعاناتهم .الاقاليم التي استقتل من اجلها البعض وعارضها بشدة البعض الآخر يتبادلون المواقف الآن. المعارضون أصبحوا من اشد المدافعين والعكس صحيح، وبرغم القول ان هذا جزء من اللعبة الديمقراطية في البلاد، هكذا يفترض، إلا ان اللاعبين يفتقرون الى المهارة الكافية لكي يكون العرض ممتعا للجمهور بدل ان يكون كارثة عليهم!!
كتابة على الحيطان :الأقاليم ليست مشكلة
نشر في: 11 نوفمبر, 2011: 09:12 م