إحسان شمران الياسري لقد أرّخ الباحثون لأدوات عجيبة للتبادل عبر مسيرة الإنسانية الطويلة.. بعضها حبوب أو جلود أو ملح أو معادن أو أحجار، ثم تحوّلت المبادلات إلى الأشياء الثمينة (المعادن والأحجار الثمينة). ولما عجزت المبادلات وتعقدت، وتعذر على الناس مبادلة أشياء كبيرة (بعير مثلا)، بخمسة أرغفة خبز، نظراً لصعوبة (إعادة الباقي) من البعير!، توصلت البشرية إلى الأدوات الوسيطة التي تصلح للتبادل وحفظ القيم في آن واحد، وهي النقود.. وهكذا سُكّت النقود المعدنية وانفرجت أسارير المتعاملين في الأسواق.
وفي العراق، وبعدَ سقوط الدولة الأموية وظهور الحكم العباسي بخلافة أبو العباس السفاح، كان أول أعمال العباسيين وإصلاحاتهم هو سك أول عملة عراقية في العهد الإسلامي.. وكانت باكورة أعمال الخليفة العباسي الأول إصدار نقود تبشر بولادة الدولة الجديدة.. وتحمل اسم الخليفة الجديد تأكيداً على انتقال السلطان من أيدي الأمويين إلى العباسيين. وجرى الخلفاء الآخرون على هذا التقليد، فكان أهم ما تتجه إليه همّة كل خليفة عند توليه الحكم، ضرب نقود جديدة تحمل اسمه وتوضع في التداول إلى جانب نقود أسلافه.ويقال إن العباسيين تفننوا في سك النقود الذهبية والفضية والنحاسية، فاعتنوا عناية خاصة بزخرفتها وملء كل فراغ فيها بالكتابة والنقوش، وكان أهم الأشياء التي تكتب في كل مسكوكة، اسم الخليفة، واسم الوالي إلى جانب الخليفة إذا كانت المسكوكة مضروبة في إحدى الولايات التابعة للدولة العباسية، ثم يكتب العام الذي ضُربت فيه، ويكتب كتابة لا ترقيما، ثم رموز من الحروف تشير إلى أسماء المشرفين على عملية السك. بعدها يذكر اسم محل ضرب المسكوكة وعدد من الآيات القرآنية على نحو (ولله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله). بعدها تذكر قيمة المسكوكة، ديناراً واحداً كانت أو درهما أو أجزاء من الدينار كالنصف والثلث والربع.ويذكر المؤرخون إن بعض الدنانير كانت تُضرب بحجم كبير، لأغراض معينة وتستعمل في الهدايا أو الصِلات ولهذا سميت (دنانير الصِلة) وهذه الدنانير لا يقوى العامة على التعامل بها نظراً لارتفاع قيمتها، ما يُغري الناس بكسرها انتفاعا من الذهب المصنوعة منه. وكان وزن الدينار (4.265 غراما) أي ما يعدل مثقالا واحدا من الذهب. وهو الوزن النظامي الذي كان سائدا في عهد الأمويين، ولم يطرأ عليه تغيير إلا خلال حكم البويهيين حيث زيد بعض الشيء وكان قطر الدينار عشرين مليمترا.غير إن مقاييس النقود وأوزانها تعرضت لكثير من الاضطراب وعدم الاستقرار في المرحلة الأخيرة من حكم العباسيين، تبعا لاضطراب الدولة السياسية وضعف أجهزتها.. أما المناطق التي كان يجرى فيها صنع العملة، فهي على الأغلب مصر والشام.. وحين أنشأ المنصور مدينة بغداد عام (146هـ) جُعلت مركزاً للضرب. وذُكر أيضا أن في عهد الخليفة المأمون كان يُضرب الدينار وأجزاؤه وأضعافه في الولايات، وجرت العادة على كتابة اسم المدينة ومحل السك.منقول بتصرف للفائدة
على هامش الصراحة :النقود وجلود الماعز
نشر في: 14 نوفمبر, 2011: 06:58 م