عن لوس انجلوس تايمز أُدعى طارق –ولمخاوف أمنية سأحجم عن ذكر اسمي كاملا-كنت أعمل،ولسنتين كاملتين،مترجما لدى القوات الأميركية.أنا عراقي وكنت فخورا بخدمتي في هذا الإطار،فإن منح العراقيين الحرية يتطلب رجالا على قدر عالٍ من الشجاعة يقفون فارعين لصناعة المختلف وصياغة التغيير.
الآن وكنتيجة لخدمتي أجدني محشورا في زاوية أو عاريا في مهب ريح خطير.قبل العام 2003 طالما اكتسحت أميركا الخيال،خيالي،كمجسم لـ(بروس ويلس) ابنها النجم او هوليوود حيث يخلق اللون والحركة وتنشأ الاهتزازات أو لاس فيجاس حيث لا تخوم للمتعة ولا وحشة لليل،بيد أنها، وأيضا، ما انفكت تنبجس في الخيال حلما لا نضوب له،حلما بالحرية.ثم بعد ذلك، لم أفق إلا على وقع أقدام أميركية تمشي في شوارعنا،صرت أرى الأميركان في كل شبر من بلادي ،كانوا حقيقيين من دم ولحم،يمكنك ان تلمس احدهم ،فقط لتتأكد انك لست في حلم،لم يعودوا مجرد شخصيات سينمائية تطلق النار في فيلم من أفلام الأكشن .إنهم هنا، مدججين بأسلحتهم الرائعة وبعدة حرب تخلب اللب لا توصف.تملكني حينها شعور عميق بأن بلادنا ستصبح مثل بلادهم ،سنتبنى طريقة الحياة الأميركية ،سننعم بالحرية كما ينعمون بها هناك ،سندرس في مدارس تشيد على الطراز الأميركي وتُعلم بالطراز ذاته،فأتقنت الانجليزية كي أتمكن من مد يد العون للجنود الأميركيين. لقد كانت مهمة الأميركان في العراق عسيرة الى أقصى حد، ومع مرور الوقت، تزايدت أعداد العراقيين الذين انطلت عليهم حيل المسلحين ودعايتهم السياسية فناصروهم وأيدوا الهجمات المسلحة ضد الأميركان . ان بلادكم خسرت أكثر من 4400 جندي، وعانت بلادنا جدا، جراء تلك الأعمال المسلحة وأزهقت أرواح الكثيرين هنا ممن امنوا بالرسالة الأميركية. انا وزملائي المترجمون الآخرون كنا نشكل جزءا أساسيا في المهمة الأميركية لقد قمنا بكل ما يقوم به أي جندي أميركي باستثناء أننا لم نحمل السلاح وأصبحنا إلى حد كبير مستهدفين أكثر من زملائنا الجنود لان الكثير من العراقيين ينظرون إلينا بوصفنا خونة للوطن من خلال عملنا مع ما يعتبرونهم "الغزاة المحتلين". وإننا وأسرنا نعيش في خطر كبير بسبب عملنا، فان المليشيات المسلحة تسِمُنا بـ "الطرائد" وقد لاقى الكثير منا حتوفهم ولم تسلم حتى عوائلهم من التصفية والانتقام. وبرغم هذا الخطر الماثل عملنا مع القوات الأميركية وتلقينا دعما وتشجيعا كبيرين منهم. الآن كل شيء قد تغير، الجيش الأميركي ينسحب بحلول نهاية هذا العام، ما سيترك العديد من أمثالي تحت مطرقة تهديد المليشيات. كنت، وكما هو حال الآلاف من المترجمين، أعيش طوال الوقت في القواعد الأميركية، فتلك هي الطريقة الوحيدة للبقاء آمنا إزاء الخطر الذي كان يحدق بي، ثم بعد ذلك وفي 13 أكتوبر تشرين الأول انتهى عملي مع الاميركان، ومعه صارت سلامتي عرضة للاحتمالات، بأسىً ودعت وحدتي وأصدقائي المقربين عبر احتفال صغير ثم شُيعت الى خارج القاعدة، حيث عشت طوال الأشهر التسعة الماضية. من حينها وأنا مختبئ، وعلى الدوام مهدد، لا أسير بضع خطوات إلا ودأبي الالتفات ورائي، فرب ثمة من يتعقبني ويقتفي أثري، اشعر كما لو أنني نزيل سجن بلا حرس، لكن مغادرتي زنزانتي ليست إلا خطوة حاسمة في درب قتلي. لقد وعدنا أنا وزملائي المترجمون من قبل الحكومة الأميركية بتأشيرات هجرة خاصة الى الولايات المتحدة في حال تعرض حياتنا للخطر. وكان الكونغرس الأميركي قد صادق على مشروع قانون يوفر 5000 (تأشيرة هجرة خاصة) كل سنة فقط للعراقيين. على ان الإجراءات قد عطلت والبرنامج يسير ببطء جدا، حتى اننا لا يمكن أن نسميه برنامجا اصلا.ووفقا لتقارير اخبارية أميركية فقد تمت الموافقة في آب الماضي على منح عشر تأشيرات لا غير، وليس في ذلك أي تعجيل بالإجراءات او خصوصية، حيث إن استمارات تأشيراتنا وقف التنفيذ الآن، ريثما تنتهي الولايات المتحدة من التحريات الأمنية حول شخصياتنا(مع العلم أننا قد اجتزنا تدقيقا امنيا طويلا ومعقدا قبل ان يُسمح لنا بالعمل والعيش في القواعد الأميركية ). حاليا يتملكنا اليأس والقلق من ان الولايات المتحدة سوف توصد الأبواب في وجوهنا، والانسحاب الأميركي الذي يلوح في الأفق سيدعنا نهب الأخطار، كما أن الاميركان ليس فقط يؤخرون منحنا التأشيرات لكنهم يحرموننا من العيش في الأماكن الوحيدة الآمنة بالنسبة لنا في العراق ( القواعد ).إننا قد عملنا جنبا لجنب مع قواتكم، تشاطرنا الألم والفرح ،وحزنا معا لأصدقاء سقطوا على ارض المعركة. ما اطلبه الآن هو التعجيل بمنحنا التأشيرات وانتشالنا من وسط كابوس كاتم للأنفاس، هو فوهات من يدعوننا بالخائنين، فوهاتهم المصوبة نحو أرواحنا وأحلامنا. طارق هو الاسم الأول لمترجم عراقي عمل لسنتين مع الجيش الأميركي، وقد وصلتنا هذه المادة عبر برنامج معونة اللاجئين العراقيين الذي يقوم بتقديم المساعدة لآلاف العراقيين المهجرين. ترجمة: المدى
الانسحاب الأميركي يضع المترجمين على شفا حفرة
نشر في: 15 نوفمبر, 2011: 10:49 م