بغداد / ماجد طوفان المتتبع لشأننا الداخلي وحتى الخارجي يمكنه أن يؤشر وبوضوح أننا أصبحنا البلد الأول في إنتاج الأزمات ومن يريد أن يذهب برأيه بعيدا ، فإن سياسيينا أصبح شأنهم الأول هو اختلاق الأزمات ، وبعد مرور ثماني سنوات على العملية السياسية التي أطاحت بكل الآمال
التي كان ينتظرها العراقيون بسبب الأداء السياسي العضال الذي أصاب عملية التغيير بمقتل وشل حركة البلد على مختلف الصعد ، النخب السياسية الحاكمة اليوم لم تعد تتقاطع فيما بينها فحسب ، وانما تطور الصراع إلى مستويات العداء والقتال على مستوى المواقف ، و ما نخشاه ان يتحول القتال إلى واقع فعلي ويخرج من توصيفه المجازي ، وإزاء هذا الشلل الواضح الذي أرهق المواطن وعزز من معاناته التي أصبحت ابعد ما يكون عن اهتمامات الحكومة والتي هي نتاج الكتل السياسية ، ومن يقف تجاه موقفنا ( الذي لا يشبهه اي نظام سياسي في العالم ) فإنه سيصاب بالحيرة والدهشة واليأس ، اذ انه نظام تشكل بطريقة ترقيعية وإذا أردنا ان نكون اقرب الى التوصيف فإننا إزاء تشكيلة دادائية لا يمكن حل او فك رموزها . بعض السياسيين دعا الى إعادة إنتاج العملية السياسية واعتماد الحوار بين الكتل السياسية معتبرا ذلك مفتاح الحل لإنقاذ العملية السياسية ، وهذا الكلام برغم منطقيته إلا انه يدعو للسخرية ، فنحن نمر يوميا بانتكاسة جديدة، في حين انتبه الآخر اليوم الى أن العملية السياسة تحتاج الى انقاذ وانها تمر بمأزق ، وأين كان السياسيون طيلة هذه السنوات عن الحوار ؟ وماذا انتج حوارهم ؟ بإجماع كل المراقبين ان حوار سياسيينا هو نتاج اغلب او ربما كل الأزمات التي يمر بها البلد ، وكيف يمكن لنا ان نعيد انتاج العملية السياسية وننقذها ازاء فوضى سياسية لا نظير لها في تاريخ العراق المعاصر ، فالكل متمسك بالماضي الذي ينتمي إليه ولا يريد ان يغادره ، فالذي كان في السلطة يريد ( إعادة إنتاجها ) ! والآخر مازال متمسكا بفكر المعارضة لنظام صدام ، مع تراكمات تاريخية عمرها 1400 سنة كلها اليوم تذبح العملية السياسية من الوريد الى الوريد ، وكل ذلك بفعل الأداء السياسي السيئ والمزري للطبقة الحاكمة اليوم ، وبفعل العناد الذي أصبح سمة المرحلة ، اذ قفز الأداء من مرحلة التقاطعات والخلافات الى ما يمكن ان نسميه بـ ( العناد السياسي ) وان كان على حساب مصلحة الوطن التي رماها سياسيونا في سلة المهملات . فالسلطات الثلاث والتي نص الدستور على الفصل فيما بينها، واضح انها مشتبكة مع بعضها فالتشريعي اخذ يمارس دور التنفيذي والعكس صحيح ومابينهما يتعرض القضاء لضغوط كل الأطراف ، ولعل التراشق السياسي الذي أصبح سمة يومية ، بل أصبح لعبة مدمنة للبرلمانيين والحكومة وحتى من لا ينتمي الى هاتين (المؤسستين) وجد له مكانا رحبا في ظل الفوضى الناتئة التي( يتمتع ) بها بلدنا على مستوى الأداء السياسي او الإعلامي ، فالمراقب يلاحظ ومن غير جهد الصراع بين رئيس الحكومة وبين رئيس البرلمان ، وهذا ينسحب بدوره على اتباعهما الذين أصبحوا عبارة عن دمى يحركها رؤساء الكتل كيفما يشاؤون ، وهذا يثبت عمق فشل التجربة السياسية وعقمها ، فالنائب أصبح لا يمثل الذين انتخبوه ولا المنطقة التي رشح منها ، بقدر ما أصبح تابعا لشخص واحد ، وهذا خلق لنا ثنائية جديدة فبقدر الخسارة الكبيرة التي افرزتها الثنائية الطائفية ، لم يكتف سياسيونا بذلك فاخترعوا لنا الثنائيات السياسية ، ولعل المفارقة أنهم يشتركون بحكومة واحدة حار المراقبون والمحللون في إيجاد تسمية لها ، فالحكومة منقسمة على بعضها ، والبرلمان اصبح مشهدا للطوائف ، وكل الذي يصدر من هذه التوليفة عبارة عن مزايدات سياسية ، والحاضر الأكبر لدى هؤلاء هو نظرية المؤامرة التي من مسلماتهم الفكرية . وازاء هذه المتناقضات هل يمكن الحديث عن اعادة انتاج للعملية السياسية ؟ وهل المعطيات الحالية تسمح بذلك ؟ لقد اصبحنا دولة أعراف سياسية وكأن الدستور الذي صوت له 12 مليون عراقي كان عبارة عن مزحة ! وصار بديله ما يسمى بـ ( التوافق السياسي ) والمغانم والمصالح الحزبية والمذهبية التي ربما تطيح بالبلاد في أية لحظة .
هل يمكن إعادة إنتاج العملية السياسية في ظل عناد سياسي؟

نشر في: 16 نوفمبر, 2011: 10:34 م









