بغداد / مصطفى حبيب امتناع العراق عن التصويت على قرار وزراء الخارجية العرب بتعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، لم يعبر عن موقف عراقي في السياسية الخارجية فقط، بل جاء تفاديا لصراعات داخلية قد تنشب بين الكتل. ويسود في أوساط المراقبين اعتقاد بأن القرار جاء ليرضي جميع الأطراف الاقليمية المحلية.. أو حتى ليغضبها جميعا، لكن على حد سواء.
الجامعة العربية قررت قبل أيام تعليق عضوية سوريا وسحب السفراء العرب من دمشق بموافقة 18 دولة عربية فيما سجل كل من لبنان واليمن رفضه، وامتنع العراق عن التصويت.وزير الخارجية هوشيار زيباري الذي ينتمي لكتلة التحالف الكردستاني، قال في بغداد بعد يوم من اجتماع العرب إن "امتناع العراق عن التصويت لم يكن سهلا كما يتصوره البعض".من اليسير إدراك ما يرمي إليه وزير الخارجية إذا ما أخذنا بعين الاعتبار موقف الخصمين الأكثر تأثيرا في بلاده، إيران والولايات المتحدة إزاء الأزمة في سوريا، فضلا عن مواقف الأطراف الداخلية.مراقبون أشاروا إلى أن العراق لم يشارك بقية الدول العربية تصويتها ليس خوفا من تردي علاقته مع نظام دمشق بقدر خشيته من تداعيات هكذا تصويت على العلاقات مع هذين البلدين تحديدا.فإيران التي تدعم النظام السوري في وجه المعارضة، وتتهم بإرسال خبراء ومعدات حربية إلى دمشق لقمع المتظاهرين، لا يناسبها أن تشارك قوى عراقية حليفة لها في إغراق المركب السوري.كما أن القادة العسكريين الأمريكيين الذين يتأهبون للانسحاب الوشيك من البلاد، والمتخوفين أصلا من أن تملأ إيران الفراغ الأمني المتوقع حصوله في العراق، لا يريدون أن يروا "الديمقراطية الوليدة" التي عملوا على بنائها ثماني سنوات، تنهار أمام اول امتحان اقليمي. من هذا المنطلق - يقول المراقبون- جاء موقف الحكومة العراقية ليكون على الحياد، وليجنّب البلاد التحولات العربية والدولية المتسارعة. وهم يشبهون إيران وأمريكا بالفيلين "إذا اصطرعا يدمرّان العراق، وإذا لعبا يدمرّان العراق".وزير الخارجية العراقي نفى أية ضغوط إيرانية أو دولية تقف خلف الامتناع عن التصويت، قائلا إنه كان "قرارا، وليس خوفا أو ترددا، وهو يعد دليلا على استقلالية القرار الوطني العراقي"، لكن مخاوفه كانت صريحة، من أن يؤثر الوضع في سوريا بشكل مباشر على الوضع الداخلي في بلاده.عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان أركان زيباري قال " إن "سياسة الحياد منفذ مقبول للوضع العراقي الراهن غير المستقر داخليا وينأى بالبلاد عن الصراعات الإقليمية والدولية".محللون في وسائل إعلام عراقية أكدوا أيضا على أن الدول غير المستقرة كما هو الحال في بلادهم لا تكون قادرة على اتخاذ مواقف خارجية حاسمة، كما أن الدول المستقرة مهما كان حجمها تكون قادرة على تبني سياسة خارجية ديناميكية. ويضربون مثالا في دولة قطر التي تعاظم دورها الخارجي رغم صغر مساحتها وعدد سكانها.من جهة أخرى، يتيح النظر إلى الخارطة المشكلة للحكومة العراقية، القول بأن لا خيار آخر أمام وزارة الخارجية سوى اتخاذ موقف الحياد، من قضية إشكالية بهذا الحجم الكبير.فالكتل الرئيسية في البرلمان سارعت بعد ساعات من قرار التصويت إلى القول إن موقف الحكومة لا يمثلها. وكان لكل منها موقف تمايز عن الآخر، ائتلاف "العراقية" بزعامة اياد علاوي غريم المالكي عارض امتناع العراق عن التصويت. ويقول المتحدث باسم القائمة حيدر الملا إن "موقف العراق كان مخجلا". وتساءل: "ماذا ستقول شعوب المنطقة الثائرة عن العراق عندما تنجح ثوراتها في اسقاط الحكام المتسلطين"."العراقية" أعربت في أكثر من موقف عن دعمها للانتفاضة في سوريا، واتهمت المالكي بأنه "يجتث بعثيي العراق ويدعم بعثيي سوريا"، وهي تخشى من مستقبل العلاقة مع سوريا إذا ما سقط نظام بشار الأسد. ويقول الملا في هذا الصدد إن "استعداء الشعوب الثائرة لن يكون اقل خطراً من استعداء حكام يواجهون مخاطر السقوط والزوال".كتلة "التحالف الكردستاني" الكردية، انتقدت هي الأخرى الامتناع عن التصويت. ويقول النائب الكردي محسن السعدون إن "قرار الحكومة لا يمثل موقف كتلة التحالف الكردستاني. إننا مع الشعب السوري وضد أساليب القمع التي يقوم بها النظام في سوريا ".مواقف الأطراف السابقة جاءت مختلفة كليا عن الائتلاف الوطني الذي صرح أحد نوابه، بأن سوريا تتعرض لـ "مؤامرة" تقودها دول غربية وأوروبية، وكذلك عن موقف "كتلة القانون" التي صرح زعيمها نوري المالكي في وقت سابق أن "الصهيونية و إسرائيل هي المستفيد الأول والأكبر" من رياح التغيير العربي، الممتدة إلى ساحة التحرير في بغداد.أماكن تموضع الكتل الأربعة من الملف السوري دفعت الحكومة إلى النأي بنفسها عن الموافقة التامة أو الرفض التام، وهو على ما يبدو استمرار لسياسة "خجولة" عمرها من عمر تشكيل حكومة "وحدة الوطنية" تضم كافة الأطراف المتنازعة.ويقول مستشار رئيس الوزراء عادل برواري إن "مواقف الكتل السياسية المتضارب
الحياد فـي مقابل غياب القرار السياسي الموحد

نشر في: 18 نوفمبر, 2011: 08:46 م









