حازم مبيضينحين تجتمع وتتظاهر جماهير خمسين حزباً وتياراً سياسياً, تضم كافة ألوان الطيف السياسي في مصر, احتجاجا على تباطؤ المجلس العسكري في تسليم السلطة إلى المدنيين، فإن ذلك يؤكد مجدداً رفض الجماهير لأي شكل من عسكرة الحكم, في بلد لم يعرف المتظاهرون فيه غير حكم العسكر, الممتد من بداية خمسينات القرن الماضي, إلى ما قبل شهور, حين أطاحت المظاهرات المليونية بنظام حكم حسني مبارك, القادم من صفوف العسكر ليحكم باستبداد مقنع بديمقراطية صورية 30 عاماً,
ويعمل على توريث ابنه من بعده. وطالب المتظاهرون بنقل السلطة إلى حكومة منتخبة, من خلال انتخابات مجلس الشعب، وإجراء انتخابات مجلس الشورى، ثم الانتخابات الرئاسية، وإسقاط ما يسمّى بالمبادئ الدستورية، لأنها اعتداء وتقويض واضح لإرادة الشعب, وهددوا بالتصعيد حتى تحقيق مطالبهم, رافضين أي وصاية من أحد.في تونس جرت انتخابات ديمقراطية غير مسبوقة, بعد أن تخلص الشعب من رئيس عسكري, تولى السلطة بانقلاب أبيض, فاعتبر أن البلاد مملوكة له ولعائلته وأصهاره, فعاث فيها فساداً, ما أدى إلى ثورة شعبية كانت فاتحة الربيع العربي, أطاحته فحمل ما خف وزنه وغلا ثمنه, وغادر بليل إلى منفى لا عودة منه, مكتفياً بالتشاجر مع زوجته, متهماً إياها بتوريطه ودفعه إلى تلك النهاية, وفي ليبيا ظل العقيد القذافي وهو القادم إلى موقع القيادة بانقلاب عسكري مشبوه, يحكم منفرداً لأكثر من أربعة عقود, وحين ثار شعبه وصف الثوار بالجرذان والكلاب الضالة, إلى أن عثروا عليه مختبئاً في مواسير المجاري, وهناك لقي مصيره المحتوم مختتماً حكم العسكر لليبيا حيث استعاد الشعب سلطته, وإذا كانت الأمور لم تستقر بعد في بلد عمر المختار فإنها في الطريق إلى ذلك, والمهم أن الجنود عادوا إلى ثكناتهم, للقيام بواجباتهم الوطنية, وتركوا للسياسيين أمور الحكم والسياسة.في اليمن تستمر التظاهرات منذ أكثر من ثمانية أشهر, للتخلص من عقيدها علي عبد الله صالح, القادم إلى موقع الرئاسة من صفوف الجيش, ليحكم البلاد والعباد أكثر من ثلاثة عقود, محولاً اليمن إلى واحدة من أفقر الدول, وأشدها حاجة إلى اللحاق بركب العالم المتحضر, وفي سوريا يستمر الحراك الشعبي الرافض لنظام ولد على دبابة الراحل حافظ الأسد, وإن كان تستر بالحزب الذي تعسكر فصار قائداً للدولة والمجتمع, ملغياً كل أثر للحياة السياسية في بلد اعتاد من قبل على أن تكون السياسة خبزه اليومي, وفي العراق قبل ذلك انتهى مرة واحدة وإلى الأبد مسلسل الانقلابات العسكرية والبيان رقم واحد لنستمع إلى نغمة جديدة تتحدث عن صناديق الاقتراع والحكومات المنتخبة من الشعب.لا نزعم أن التجارب العربية في التخلص من حكم العسكر, ناجحة بالكامل وناصعة السيرة, لكننا على ثقة أننا تعلمنا أن العودة إلى حكمهم جريمة, تتحمل الشعوب وحدها نتائجها, والأمل اليوم ألا نسمح بذلك, وأن يفهم العسكر مضامين وظيفتهم التي تطوعوا للقيام بها وليس من بينها أبداً الجلوس على كراسي السلطة.
في الحدث: ربيع العرب.. العسكر إلى الثكنات
نشر في: 19 نوفمبر, 2011: 07:36 م