نجم واليفي هذا العالم الذي نعيشه ليس هناك أكثر رعباً من غياب السعادة: لا الجوع، ولا المرض، بل حتى الموت ليس في قدرته منافسة هذا الغياب. السعادة، اليوم، هي حق شخصي وغير قابلة للنقل من شخص إلى آخر، بالإضافة إلى كونها تظل نسبية لها علاقة بهذا الشخص أو غيره، بهذا الوضع أو ذاك.
الكائن الإنساني، بغض النظر عن الطبقة التي ينتمي إليها وعن الوضع الذي يعيش فيه، يسمح لنفسه، باستخدام كل الوسائل من أجل الوصول إلى السعادة، بغض النظر عن الأضرار التي يمكن أن تلحق بالآخرين. وفي ذلك يتفق جميع البشر عندما يبررون ما يفعلونه لهذا الغرض: بالنفاق، وبالكذب، وبالافتراء،وبالغش، وبالسرقة، وبـ(الخيانة) أو بـ(إدعاء العفة) مع (شريك العمر).قبل أربعة عقود نبه بيرتراند راسل في كتابه (الفوز بالسعادة) من المخاطر الزائدة لما أطلق عليه (الأهواء المركزة من قبل الشخص في نفسه ذاته)، ليشير إلى أن بين تلك الأهواء، اثنين هما أكثر الأهواء التي تشغل عصرنا: الأول الميل نحو التعالي على كل ما هو خارجي، والثاني هو الحاجة إلى التحول إلى ضحية للاستحواذ على ما هو خارج المتناول دون شعور بالذنب بالدَيْن لأحد؛ بكلمة واحدة الحاجة لتطوير دور الضحية (المطلقة) في سلوك المرء اليومي، بما في ذلك سلوكه الجنسي مع شريكه، الذي يحبه، أو الذي يظن، أنه توقف عن حبه، لكي يحوز المرء في النهاية على دور الضحية دون شعور بالنذالة والدونية، بل دون شعور بالمسؤولية، لأن كل ما يقوم به هو، بالنسبة إليه، رد فعل على عدوانية العالم الخارجي.وفق هذه الصورة يحب المرء نفسه كثيراً حتى العبادة باستمرار...كيف يسمح أحدهم بأن تفاجئه الحياة بما هو معاكس لما كان يشتهي؟ عندما يحدث ما لم يتصوره المرء حتى لحظة حدوثه، مثلاً: مرض ما، أزمة زوجية عنيفة أو أزمة صداقة، خراب صغير أو خراب كبير، كل ما يمكن أن يحدث للمرء، دون أن يكون متوافقاً مع خططه التي خطط لها، في مثل هذه الأوضاع، يعتقد المرء أن له الحق بأن ينشب أظافره في القدر، حتى إذا رفس الكرة الأرضية كلها، وحركها من مكانها، لكي تعود الأشياء للعمل مثلما يريد أو يرغب ودون خسارات نفسية أو مادية."كيف حال قلبك" سأل كولومبس زوجته عندما ضربتها واحدة من نوبات الحزن القوية خلال إحدى رحلاته. كولومبس هو مثل نابليون، ومثل اسكندر الأكبر، داروين وماركس، كانوا كينونات تعيسة، لكنهم أداروا تعاستهم بعفة ومهارة، ولا غرابة، أنهم في النهاية نجحوا بالتوصل إلى إغراء الألم، إلى ليّه وتحويله إلى نصر شخصي. بعد مراقبتي للمحيطين بي من معارف وأصدقاء، ورؤيتي لهم كيف أنهم يكافحون باجتهاد من أجل أن يصبحوا سعداء في حياتهم، لكنهم يحصدون غالباً الخيبة. ففي العمل وفي العلاقات العاطفية، ليس هناك غير التعاسة والبؤس والشقاء، ليس هناك غير غياب السعادة الدائم ينتظرهم عند عتبة الباب، ما أن تطأ أقدامهم بيوتهم، أو تنتظرهم عند باب المطبخ أو الحمام مباشرة بعد استيقاظهم. عندما أسمع هؤلاء يتحدثون عن تعاستهم، فأنني لا أستطيع، إلا أن أكون أكثر اختلافاً مع باسكال الذي يقول "إن مشاكل المرء تبدأ عند مغادرته غرفته"، وكأنه ينصح المرء بالبقاء (سجيناً) في غرفته، وحيداً مع تعاسته التي لا علاج لها في الوحدة، لكنني في نفس الوقت أجد نفسي أكثر توافقاً مع اللورد بايرون الذي يقول: "التعاسة لا تستطيع أن تكون شيئاً عظيماً، لكنها دائماً تُلهم بما هو أعظم". قد يكون ذلك هو العزاء الوحيد لكم لا يشعر بأنه سعيد الآن.
منطقة محررة: عن سعادة القلب وتعاسته
نشر في: 22 نوفمبر, 2011: 07:23 م