| 6 |آية الله السيد عمار أبو رغيف(3)لعلّنا نتفق مع تشومسكي على أن التجربة والمران لا نستطيع بهما وحدهما تفسير المعرفة الإنسانية بكل تجلياتها، ولا نستطيع أيضا أن نركن إليها في تفسير اللغة نشأة ونمواً، إذ تروغ اللغة والمعرفة على أن تكون التجربة والخبرة الملهم الأوحد لجوانبها الإبداعية. بل حتى لما يبدو تراكميا منها.
لكن السؤال الكبير يبقى ماثلاً، فما هو إذن الدور الذي تلعبه التجربة والتعليم في المعرفة عامة وفي معرفة اللغة خاصة. وإذا استطعنا تجاوز عقدة أصل اللغة ومصدر كينونتها بالملاذ إلى الملكات التكوينية فهل يمكن تفسير عقدة الدلالات اللغوية بالاتكاء على الفطرة والملكة الطبيعية، دون أن تلعب التجربة والمواصفات دوراً أساسياً في هذا الإطار؟سنتناول بالتفصيل هذه الإشكالية وما يلابسها من أسئلة في محلّه المناسب خلال فصول وفقرات هذه الدراسة. وسنقتصر هنا على إلقاء الضوء على بعض الملاحظات منها ما يرتبط بالأسئلة المتقدمة وجميعها ترتبط بفقرة البحث، التي نشارف على الانتهاء منها، حيث نتناول الإجابة على الاستفهام: من هو الواضع؟الملاحظة (1):أتينا على الربط بين نظرية النائيني في تحديد واضع اللغة وبين نظرية تشومسكي ورعيل من اللسانيين المعاصرين، الذين يمثلون ما يعرف بالمدرسة الطبيعية. واعتقد أن هذا الربط ليس إقحاماً وليّاً لأعناق مذاهب الفكر، لنعانق بين هذه المذاهب المتنافرة منهجيا والتي تتعارض سياقاتها المعرفية والتاريخية، لوضوح إن اختلاف المناهج لا يحول دون المقارنة بين اتجاهات الدارسين، بل لعل المقارنة بين النظريات المتشابهة في الفروض والمختلفة منهجيا سيعود على متابعي مناهج العلوم وفلسفاتها – خصوصا فلسفات التأويل المعرفية – بما هو مثمر في تطوير الفروض والخروج من أزمة المصادرات المعوقة التي خلقها اقنوم (الحداثة) أو قل أقانيمها المقدسة.نحن أبناء هذا الزمن التاريخي بما ترك لنا من بنية إحيائية وتجارب ورؤى، نحن أبناء الراهن الذي نعاصره، ونتوخى أن نواكبه إلى الأمام، لكن هذا الوعي لا يحول دون إن نتيقظ ونعي أوهام (الحداثة) المقدسة. إن كارثة أوهام (الحداثة) ووثنها الأكبر تقديسها لأقنوم {التكاملية التطورية} في فهم حركة التاريخ الإنساني بمنجزاته الثقافية والمدنية. واهمٌ من يتصور إمكانية أن يكون (الجدل) التكاملي قانون التاريخ الإنساني.قد نجد وجها ومندوحة لأطروحة جدل الطبيعة وديالكتيك الوجود، ولكن لا مندوحة أمام رؤية التاريخ الإنساني على أساس التطور الديالكتيكي سواء لذنا بميتافيزيقيا المطلق أم استوثقنا بالقاعدة المادية لتفسير الوجود والمعرفة. ذلك أن وقائع التاريخ الإنساني تكذب هذه الرؤية، وتبطل هذه الفرضية باستمرار.إن النزعة التطورية التي استحكمت سدى ولحمة مع النظرية المادية للوجود والمذهب التجريبي في المعرفة تفضي في نهاية المآل إلى حتمية تأريخية، لا يتبناها المذهب الماركسي (وهو أحد تجليات الحداثة حتما) فحسب، بل هي سمة (الحداثة) ومنزل النظرة المتعالية لحضارة الغرب الحديث، حيث غاية الإنجاز الذي تحققه الإنسانية، في ضوء النزعة التكاملية التطورية، التي أرسى قواعدها (فرانسيس بيكون) وقامت على هديها مدارس علم الاجتماع الحديث.إن إيقاف حركة التاريخ الإنساني في محطة الليبرالية الاقتصادية والسياسية عند (فوكوياما)، تجلٍ لنزعة التكامل التاريخي والنظرة المتعالية لأنجاز الحضارة المعاصرة. ومن ثم فهي نتاج النظرة الآلية لحياة الكائن الإنساني مهما استبدلنا الصيغ، وحاولنا المروغ على الحتمية بإنكار مبدأ السببية مرة وإنكار دور العوامل الوراثية مرة أخرى، أو لذنا بالنزعة الفردية ورفع لواء البرجماتية وإنكرنا النظم الشمولية واستبدلناها بالليبرالية الشاملة. إن استعجال قيامة الحياة الإنسانية ليس خيالا ولا خيالا خصبا، إنما هو وهم معطل ومعيق. أن تكون بروليتاريا السلطة المنزل النهائي الذي تحط عنده ركائب المسيرة الضاربة في أعماق التاريخ الإنساني أو تكون الليبرالية أو أي مذهب آخر، وأن تكون التجريبية هي قدر التقدم العقلي ومصير المعرفة الحتمي، أو مآلاتها من فقدان الثقة بالعقل والتهاوي في الارتياب المعرفي والشك، أو تكون البرجماتية ومذاهب المصلحة والسعادة غاية المأمول من التأمل الإنساني الأخلاقي والقدر النهائي للكائن الإنساني، كل هذا ديالكتيك القهقرى ورجوعية إلى جهمية بن صفوان وظلام مذاهب القدر والحتمية التاريخية أو الميتافيزيقية، انه أرثودوكسية لا حدود لتشددها وعقمها.أن نعتقد أن تقدم العلم ونمو المعرفة رهن استبدال النماذج الإرشادية، وأن نماذجناً الإرشادية هي غاية ما وصل إليها العقل الإنساني، أو أن نعتقد أن نمو المعرفة وتقدم العلم مدين للتراكمات التي توالت عبر الكشوف والاختراعات، وأن نعتقد أن أسرار المعرفة التي أماط التقدم العلمي اللثام عنها هي كل ما لم يدركه السلف، وفاز الخلف بنيله واكتشافه. كل هذه الاعتقادات أو الفروض مصادرات تتطلب بجد إعادة النظر فيها. نعم، التشرنق بإنجازات الراهن عقبة كؤود أمام نمو الحياة المدنية وتقدم المعرفة وبناء التقنية الإنسانية، على غرار الانكفاء على إنجازات السلف والتغني بليالي ألف ليلة، والفخر بابن الهيثم وابن سينا وسائر أبناء الماضي ا
قراءة النصوص وفلسفة الدلالة
نشر في: 22 نوفمبر, 2011: 07:26 م