TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > على هامش الصراحة: ضبط الساعة

على هامش الصراحة: ضبط الساعة

نشر في: 22 نوفمبر, 2011: 07:28 م

 إحسان شمران الياسريعام 1964 على ما أذكر، خرجنا من المدرسة يوم الخميس حوالي الساعة الحادية عشرة صباحاً.. كانت مدرستنا في ريف الكوت، وتصلها السيارات خلال الطريق الترابي.. وما أن جاوزنا المدرسة بنحو مئة متر حتى التقتنا سيارة أجرة باتجاه المدرسة.. ونحن نعرف أنها تحمل (المفتش). فعدنا للمدرسة.. بعضنا وصل قبل السيارة.. كان المعلمون يهمون بالمغادرة.. وما أن شاهدوا سيارة المفتش حتى بادر أحدهم محذراً بإيعاز واضح: اضبطوا ساعاتكم على الـ 12.. وقد فعلوا..
 وحين هبط المفتش من سيارته استفهم عن إخراج الطلاب قبل الوقت، إلا أن المدير أجاب بثقة: أستاذ إحنه نطلعهم بهذا الوقت يوم الخميس.. فلما رفض المفتش إخراج الطلاب بمثل هذا الوقت، أجاب المدير ببراءة مُدهشة: أستاذ هسه الساعة 12.. والتفت إلى زملائه الذين أيدوا هذا التوقيت.. وخُدع المفتش!وخُدعنا ببعض الذين حاولوا تغيير التوقيت، وأولئك الذين لا يراعونه.. فهذا يستعجل ظهور العلاقة الإيمانية في جبينه، فيحاول تغيير ضبط ساعة حياته، فيتدبر ظهور السيماء في جبينه بوسائل معروفة لـ(أهل المهنة)، لنقول عنه (ما شاء الله.. سيماهُم في وجوهِهم.. الله يرضى عليك.. شلون وجه نوراني).. والآخر لا يُطيق انتظار الرزق، فيذهب إليه، أو يستدعيه.. وآخرون، وهذا هو الهدف من هذهِ الأسطر، لا يضبطون ساعاتهم، ولا ينشغلون بما عليهم أن يفعلوا بالوقت.. من باب (الشبعان لا يدري بالجوعان)، فيضيع الوقت الثمين، وتتعثر تلك التي نأمل، وأمِلنا أن تكون إنجازات.. ويكون التأجيل، وتبديد الوقت ليس إلا جزءاً من مهارة عدم ضبط الساعة، مثلما كانت مدرستي العزيزة هناك، في أعماق الريف، ماهرة في ضبط الوقت، وضبط مواعيد الدرس الأول كل يوم، إلا ذلك اليوم الذي حضر فيه المفتش، فخدعناه بضبط آخر للوقت.. سيكون بناء الدولة، أي دولة، قائماً على ضوابط صارمة للاحتكام الى الوقت.. وإن تعذر ذلك، فسيحدث ما يحدث لنا.. مهندسون لا تشغلهم جداول الوقت، ومحاسبون لا يدققون في آجال استصدار التقارير والكشوفات، ومحامون ينسون المدد الحتمية التي قررها القانون، وساسة ينسون مواعيد الاجتماعات، وحراس ينامون في نوبة الحراسة، وزوجة تنسى الطبيخ لأسرتها إلا عندما يحضرون من العمل.. وأشياء أخرى لا تسمح بها مساحة هذه الخاطرة..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram