حسين علي الحمدانيالحديث عن العراق ومستقبله السياسي بعد عام 2012 ومحاولة بلورة رؤية مشتركة ليس فقط بين النخب السياسية، بل بين مكونات الشعب العراقي، هذا الشعب المعروف عنه التنوع القومي والديني الذي اتسم بالتعايش قروناً طويلة، وحق للبعض أن يطلق تسمية الأمة العراقية منطلقاً من تعليلات كثيرة تُبيح له استخدام هذه التسمية في الكثير من الكتابات.
ومفهوم الأمة أصابته تشوهات كبيرة وكثيرة في العراق بشكل خاص والعالم العربي بصورة عامة وأخذ مفهوم (الأمة) بعده القومي دون أن يأخذ مداه داخل الدولة ومكوناتها، وبالتالي ترك هذا التشوه أو الفهم الخاطئ لمفهوم الأمة أبعاده في مرحلة ما بعد تهاوي النظم الشمولية وبداية تكوين الدولة على أسس القانون والمواطنة، بعيدا عن الإقصاء والتهميش الذي كان السمة البارزة للعقود السابقة التي كانت القومية كمبدأ وفكر هي من تحكم وتتحكم ووفق رؤيتها وتحدد المسارات وتخطط وفق الأهداف التي تريد الوصول إليها حتى وإن تعارضت مع مصالح الشعب.وربما الحالة العراقية قد انفردت عن غيرها من الدول العربية بطرح هذا المفهوم في الدستور العراقي لعام 2005 ونقصد به مفهوم (الدولة والأمة)،وهذا الانفراد يعني في ما يعنيه بأن العراق الجديد هو عراق الجميع وليس عراق قومية دون سواها وديانه دون أخرى ومذهب على حساب الآخر. وكانت عملية الطرح هنا ذات أبعاد سياسية أكثر مما هي أبعاد ثقافية تهدف إلى بناء المجتمع وفق مفهوم الأمة في سياق الدولة الواحدة، وبالتالي فإن أهم مقومات الأمة وجود (الدولة) بمفهومها المعروف للجميع من حيث أن الارتباط التاريخي بين (الشعب والأرض) و(الأمة والدولة) وهذا السياق التاريخي له أبعاد ثقافية واجتماعية أكثر من أبعاده السياسية ولنا في تجربة ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية حيث برزت (ألمانيا الغربية والشرقية) وحاول المعسكر الشرقي آنذاك الفصل التام ولكن السياق التاريخي وبعد نصف قرن من الزمن أعاد توحيد الأمة الألمانية في دولة واحدة وهو ما كان يجب أن يحصل لكونه هو السياق الصحيح والمطلوب، وبالتالي فإن هذا يؤكد أن الأبعاد الثقافية هي الأقوى من السياسية في توحيد الأمة وتغليب مصلحتها. ولنا في دول العالم تجارب تعايش في إطار الدولة الأمة، وعلى سبيل المثال لا الحصر سويسرا وبلجيكا. وفي العراق تأريخياً بدأ مشروع بناء الأمة العراقية في عام 1958 بعد سقوط النظام الملكي ونلاحظ عند كتابة الدستور آنذاك وفي البند الثالث الذي كان ينص على أن العراق وطن مشترك بين العرب والكرد، أبدى الكرد دعمهم ووقوفهم مع الدولة العراقية وفق مبدأ الشراكة والمشاركة. وهذا ما يقودنا لاستنتاج بأن الدستور بحد ذاته هو الضامن الحقيقي لتفعيل الكثير من المفاهيم ومنها بالتأكيد مفهوم (الدولة والأمة) وهذه الضمانة تجرد الجميع من قوتهم لتمنحهم قوة القانون والدستور أي قوة (الأمة الواحدة في الدولة الواحدة) وبالتالي وجدنا بأن الكرد مثلا حين شعروا ببروز التيارات القومية ذات النهج الإقصائي للآخرين نجدهم بدأوا مرحلة نضال جديدة سببها الرئيس يكمن في حصر الدولة بفئة وقومية معينة دون غيرها، هذه الحالة لم تكن في العراق فقط بل في مناطق أخرى من العالم كجنوب السودان أو إقليم كوسوفو أو حتى إقليم الباسك في إسبانيا. لهذا فإن ما موجود حالياً في العراق هو نظام سياسي فدرالي في إطار دولة جامعة للكل، ولكن ما نراه الآن مختلف تماماً حيث تم تغييب الدولة بشكل أو بآخر وغابت معها صورة الأمة العراقية لتبرز بدلا منها صورة الهويات الفرعية والمناطقية والأثنية والعرقية لدرجة بدأ البعض يخشى من نهاية الدولة الأم وبروز الدول الفرعية.وهذا نابع من قُصر نظر القائمين على الشأن السياسي وعدم إدراكهم لمعنى الدولة ومفهوم الفدرالية وتغييبهم القواسم المشتركة بين الشعب. من هنا يمكننا القول بأن المجتمع هو الذي يفرز الدولة ويمنحها هويتها، وهكذا نرى بأن الركن الثقافي يحتل مركزا مهما في بنية السياسة، وفي تكوين الدولة. وبهذا الصدد ثمة عدة رؤى فكرية ولكل منها مبرراتها وحججها. هناك من يؤمن بقوة بأن البداية ينبغي أن تكون ثقافية لتأسيس الدولة. من خلال بناء المجتمع أولا ومن ثم الانطلاق من هذا البناء ذاته في عمليات إبراز طور الأمة، والدولة، وهذا يعني بأن الدولة ليست مجرد حكم بقدر ما هي كيان قائم على مجموعة أفكار تنصهر لتصل مرحلة التكامل الفكري والثقافي لتعكس واقع المجتمع المتعدد القوميات لكنه يلتقي في أطار واحد هو إطار الأمة أو ما يمكن تسميته بالأمة العراقية في الدولة العراقية، ومصطلح الأمة كما أشرنا غاب عن الفكر السياسي والثقافي في العراق منذ عقود طويلة وصاحب هذا الغياب تغليب مشاعر ثانوية وصلت حد العداء والتنافر والتشظي.
الأمّة العراقيّة وإشكاليّات بناء الدولة
نشر في: 23 نوفمبر, 2011: 07:18 م