| 1- 2 |وليد خالد أحمد العرب أمة قبل أن تأخذ هذه المفردة مواقعها في الكثير من لغات العالم، بل حتى قبل أن تعي الكثير من شعوب العالم هويتها وطبيعة وجودها. أما اختيارنا لهذا التساؤل عنواناً فكان بسبب ما بدأ يتردد في الأوساط الفكرية العربية وبشكل خاص بعد التحولات الهيكلية السريعة التي حدثت في العقد الأول من ألفيتنا هذه حول صورة العالم ومسارات حياته الأساسية، والتي أربكت العديد من مفكرينا وجعلتهم يراجعون العديد من القضايا الأولية التي حسمها الفكر العربي منذ وقت ليس بالقصير تدفعهم نيات وأهداف متباينة.
نعم، المراجعة المستمرة لكل القضايا الفكرية مطلوبة وحيوية أيضاً، ومن غير الصحيح التسليم بقضايا محسومة في الفكر لا تقبل التجديد، فالتجديد الفكري يجب أن يكون مطلبنا ومسعانا اليومي، ولكن أن يرد هذا السؤال وبهذه المباشرة في العديد من كتابات مفكرينا، فهذا يحتاج إلى وقفة تأمل طويلة لما وصلت إليه حال الأمة العربية. فالعروبة بهذا التساؤل لا تكون مهددة في وجودها فقط، بل في شرعية هذا الوجود، وهذه واحدة من المشكلات التي بدأت شعوب العالم بمواجهتها في العصر الذي يسعى الغرب لإقامته ضماناً لاستمرار حضارته في البقاء والتجدد. السبب الثاني الذي دفعنا لهذا الاختيار، ضرورة التنبيه إلى خطورة عدم التنبه إلى المعاني المتعددة للمفردات المتداولة في موضوعات الفكر، والحاجة الماسة للفصل بين هذه المعاني، فـ (الأمة الوجود) غير (الأمة الهوية)، ذلك أن (الأمة) تكوين تاريخي اجتماعي ثقافي تتباين مكوناته وشروط تكونه من أمة إلى أخرى، وهذا (وجودها). أما (هويتها)، فهي ما تعرفه هذه الأمة عن ذاتها وعما تصبو إليه، لذا فهي نسبية وتاريخية يحققها شعب ما عن طريق تفاعله مع التاريخ ولا يرثها من جوهر متأصل فيه، وهذا ما يجعلها بحاجة إلى إغناء دائم يفرضه التراكم المعرفي المستمر للأمة عن تاريخها وحاضرها والتنامي المتواصل بدرجات التعبير عن هذه الهوية عند بنائها.إذن، فالسؤال المطلوب ترديده بشكل مستمر ضمن أروقة الفكر العربي يجب أن يكون عن الكيفية التي يتم إغناء الهوية العربية بمقومات تجددها وإيفائها بمستلزمات انبعاث الإنسان العربي في عصره الجديد. فالكيفية التي نحدد بها هويتنا تمارس دوراً أساسياً في مسعى العربي لتجديد فكره وحياته وفي الاتجاه الذي يتبلور فيه. لهذا كان من الضروري تحقيق وعي علمي في دراسة هذا الموضوع كي نتجنب الانحرافات والمآسي التي تترتب على التحديد غير الواعي والتحديد من قبل الآخر للهوية العربية، فهذه المسألة حساسة، لأن جميع جوانب شخصيتنا القومية تتأثر به، وعليه فإن سؤالنا سيكون عن الكيفية التي يتم بها إغناء الهوية العربية، ولكن لنتعرف قبل ذلك على التحديات التي تواجه هذه الهوية، التحديات القديمة والمستمرة حتى الآن، والتحديات المستجدة بسبب التحولات الأساسية في هيكل العصر.أولاً- التحديات القديمة والمستجدة. التحديات التي تواجه الهوية العربية كثيرة ومعظمها مرتبط بالمسألة الثقافية، ذلك أن ثقافة كل أمة مرتبطة بالسياق الاجتماعي لتكوينها أو بكيانها السياسي، فهي التي تمثل نسق مراجع النظام الاجتماعي وتوصيف المجتمع لنفسه وأفراده، بما يتضمنه من عناصر اللغة وسلم القيم المميزة لهذه الأمة عن غيرها. ولقد تعرضت الثقافة العربية لضغوط عنيفة خارجية وداخلية، قديماً وحديثاً، نتيجة لحساسية موقع الأمة العربية وتفجر كيانها السياسي، وهي لم تنجح بعد في إعادة تجديد أسسها وتوحيد – وقبلها توصيف – عناصرها. غير أنها لم تسقط بعدُ نظراً لقوة تراثها الروحي وميراثها المادي في دائرة الانحلال والتبعية النهائية للثقافة الغربية. فمازال العربي يعيش صراعاً من أجل إثبات الذات وتأكيدها في وجه الثقافة الغربية المتسلطة على الشعوب يتداخل مع صراع اجتماعي، وأحياناً اقتتال أهلي، لإعادة هيكلة ثقافته وتثبيت كيانها، بهدف توصيف هويته استناداً لمعطيات هذه الثقافة، وتالياً إلباس المشروعية للثقافة التي يؤطرها هذا التوصيف.ولكن، برغم عدم سقوط الثقافة العربية أمام الهجمة الثقافية والحضارية الغربية، تمكنت الأخيرة من تحقيق أكثر من موطئ قدم داخل الثقافة العربية وخلقت على ذلك انشطارات متعددة في الإطار العام للهوية العربية، فمقدمات الثقافة الغربية التي دخلت إلى العرب تمكنت من إخضاع بعض النخب المحلية لسياقاتها دافعة بهم إلى التخلي عن الاشكال القديمة في العادات والتقاليد والأعراف واللباس والاستهلاك، مما خلق حالة من التمغرب ميزت هذه النخب عن باقي أبناء الأمة الذين تفاوتت ردود أفعالهم ما بين القبول اللاواعي بهذا الطريق وبين الرفض السلبي له وللنخبة التي تبنته، فالتجأت إلى التراث وتمترست داخله، فيما تدرج الباقون بين القطبين وراح بعضهم يحاول التوفيق بين القطبين.بل إن تأثيرات المسألة الثقافية في موضوع الهوية العربية تعاظمت شأناً بعد اندماجها في الصراع الاجتماعي صانعة الكثير من مساراته، فكما هو معلوم أن الثقافة العصرية / الغربية في معظمها، تفترض مستوى معيناً من التكوين التعليمي وقدرة شرائية جيدة، تجعل من المشاركة فيها غير متاحة لجميع أفراد المجتمع، فبعد أن كانت المشاركة في الثقافة متوفرة ومتاحة من خلال الأعياد الجماعية الدينية والمحلية، ورقصات الريف، والحكايات الشعبية، والأغاني والرقصات التراثية الجماعية، بل حتى الاجتماعات العامة والدواوين الأهلية التي كانت دائماً مناسبة لتظاهرات ثقافية، انقلبت هذه الصورة لتصبح صورة الاس
هل نحن العرب أُمّة؟!
نشر في: 28 نوفمبر, 2011: 06:04 م