يقصد بالتفكير هنا، الآراء والمعارف والقيم والمبادئ والتصورات التي يمتلكها الإنسان بخصوص نفسه والآخرين والأحداث والكون ..في الأبعاد الزمنية الثلاثة،الماضي والحاضر والمستقبل.ويقصد بالسلوك ،التصرف أو الفعل الذي يقوم به الإنسان ويمكن ملاحظته من الآخرين.
أ.د.قاسم حسين صالحأما الإسلام السياسي فليس المقصود به هنا الجماعات الإسلامية التي انتشرت في البلدان العربية وأفغانستان وباكستان، إنما الأحزاب أو التيارات الإسلامية التي تتسلم السلطة السياسية المسؤولة عن إدارة شؤون الناس ،أو تلك التي يكون لها دور فاعل فيها.وفي السيكلوجيا، فإن الإنسان السوي المتوازن المقبول من الآخرين هو الذي يتسق تفكيره مع سلوكه..أي أن يكون هنالك توافق أو انسجام بين ما يحمله من آراء،ومعتقدات،وقيم.. وبين السلوك الذي يتصرف به ،وبخلافه فانه يحصل تناشز بين الفكر والسلوك. فالموسيقار الذي يحمل عوده ويعزف عليه وهو يمشي في الشارع ،يبدو سلوكه مقبولاً للآخرين،فيما التصرف نفسه يبدو نشازاً لهم إن صدر عن رجل دين على رأسه عمامة.واستغراب الناس هنا واستهجانهم لتصرف رجل الدين هذا ناجم عن أن السلوك لا يطابق الفكر. من هذا المثال البسيط وتوضيح المقصود بالفكر والسلوك ،صار لدينا تصور مشترك عن موضوع هذه المقالة التي شخّصت في عنوانها وجود تناقض بين الفكر والسلوك لدى الإسلام السياسي الذي هو في موقع السلطة.ومن حق هذا الإسلام أن يسأل: كيف؟ وأين؟..ونجيب بالآتي: إن دستور الإسلام هو القرآن الكريم..سواء كان في تركيا،أم إيران، أم السعودية، أم مصر ، أم تونس، أم العراق.. فهو مرجعهم وإن اختلفوا في التطبيق.وكما في الدساتير المدنية مواد يلتزم بها الجميع،الحاكم والمحكوم،فإن في القرآن الكريم(آيات)يكون الالتزام بها أقوى والاحترام لها مطلقا. فلنتفحص بعض آيات (مواد) دستور الإسلام.هنالك ثلاث آيات في ثلاث سور تنّبه الناس ،الحاكم والمحكوم، أن الحياة الدنيا (لعب ولهو):" اعلموا إنما الحياة الدنيا لعب ولهو-الحديد،20"."وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو- العنكبوت،64"."وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو –الأنعام،32". ونبّه أن الحياة الدنيا قصيرة وأنها "زينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد" ،وأنها"متاع غرور". وأعطى الأفضلية لحياة الآخرة ،وبشّر من يؤمن بها بالخلود.."وان الدار الأخرى لهي الحيوان إن كانوا يعلمون"،"وللآخرة خير لك من الأولى "،"وللدار الآخرة خير للذين يتقون".وقارن بين الحياتين في حديث للنبي (ص):"والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليمّ،فلينظر بم يرجع"..أي أن ما يحصل عليه الإنسان من الدنيا ليس أكثر من الماء الذي يحمله الأصبع من البحر.وحذّر من تغرّه الدنيا بملذاتها والذين يكنزون الذهب والفضة بعذاب شديد.إن هذه الشواهد من دستور الإسلام "القرآن الكريم" هي أفكار ،ومعتقدات،وقيم،وأخلاق..يحملها المؤمنون بالإسلام ويجسدونها بأفعال أو سلوك ..فهل هذا حاصل في الإسلام السياسي؟.أعني ..هل يتطابق سلوك أو أفعال الحاكم أو المسؤول المنتمي إلى حزب أو تيار إسلامي مع هذه الأفكار التي نصّ عليها دستور الإسلام؟إن واقع الحال يشير إلى العكس..فكثير من هؤلاء الذين هم في السلطة ،فاسدون ماليا وكانزو ذهب وفضة وملايين الدولارات في بنوك غير إسلامية! وبيوت وشقق فاخرة في دول غير إسلامية اشتروها بعد أن صاروا في السلطة،ومنحوا أنفسهم رواتب وامتيازات خيالية وإيفادات فيها تبذير للمال العام.وصاروا يتصرفون بسلوك يعكس حبهم للدنيا وكأنها هي الحياة الأبدية،وبينهم من خلق "جنته" في الدنيا ..يعيش فيها برفاهية تاركا الرعية ..المسؤول عنها تعيش في الجحيم.ويطلّ عليهم عبر شاشات التلفاز بوجه ريّان وبآخر موديل أوروبي على ناس يعدّونه سبب جوعهم وعوزهم..دون ذاك الخجل الذي نعهده في المسلم!.. مع أنه كان قد خبر ذاك الجوع والعوز. ولتحليل حالة هؤلاء الحكّام والمسؤولين من تيارات الإسلام السياسي نقول، إن علم النفس المعرفي يرى أن الأفكار التي يحملها الفرد هي التي تحدد سلوكه،وأنها تعمل كدوافع محرّكة للسلوك .فإن كان سلوكه متسقا..منسجما مع أفكاره ،فإنه يعيش حالة الاستقرار النفسي وراحة العقل والضمير وقبول الآخرين واحترامهم له، وإن حصل تناقض..تضاد بينهما فإنه يعيش حالة التنافر أو التناشز المعرفي..التي تعني التعارض بين ما يعتقد به الفرد وبين ما يفعله..ينجم عنها،بالتبعية، توتر نفسي ليس بمستطاع الجهاز العصبي تحمّله إلى ما لا نهاية..فيبحث عن حلّ لخفض هذا التوتر يكون واحدا من ثلاثة:- أما أن يغيّر أفكاره(معتقداته)- أو أن يغيّر سلوكه- أو أن يبحث عن معلومات جديدة يغير فيها أما الأول أو الثاني.ويفيدنا الواقع الحياتي باستبعاد الحلّ الثاني،بدليل أن كثيرين بين الحكام والمسؤولين من الإسلام السياسي لم يعمدوا إلى تغيير سلوكهم ليكون منسجما ..متسقا مع الأفكار التي تضمنها دستور الإسلام " القرآن الكريم".ولا نعني بهذا أن يتحولوا ال
التناقض بين الفكر والسلوك في الإسلام السياسي
نشر في: 3 ديسمبر, 2011: 07:39 م