إحسان شمران الياسريلم تزل المسرحية الشهيرة (شاهد مشافش حاجة) تتجدّد في مقدار الإمتاع والدهشة التي توفرها للمشاهدين. وكلما شاهدناها، قفزت إلى أذهاننا عدة أسئلة.. أولها عن فحوى القصة التي فيها.. فليس ثمة قصة في هذه المسرحية.. إنها قصة رجل طُلب منه أن يكون شاهداً على جريمة.. ولم يقدم ذلك الشاهد أية فائدة للقضية، لأنه ببساطة لم يرَ شيئاً، إلا عندما قدم وصفاً عن شاحنة كانت متوقفة في الشارع.. ولما وصف الرسم الذي كان عليها، تطابق مع أوصاف سيارة الجاني.. أما باقي المسرحية فهي بناء فني لانفعالات وتداعيات رجل بسيط أوقعته الظروف بيد المحققين، ليتغيّر لاحقاً ويفقد براءته وعفويته.. الخ..
وكان ضمن جلسة المحاكمة المحامي (خليفة خلف الله خلف خلاف المحامي) الذي أرعب الشاهد بحركاته، فاعتقد انه (حانوتي) جاءت به المحكمة لدفنه بعد أن تصدر قرار إعدامه!!.. ثم استقرت تسميته لدى الشاهد بـ (المستكاوي). ولا نعرف ما هي المهنة أو الصنعة التي يطلق عليها أعزاؤنا المصريون تعبير (المستكاوي)، غير أن هذا المحامي كلما هدأت أسارير الشاهد يعاوده بالحدّة المعهودة، فيفّز الشاهد ويصيح مستغيثاً: (المستكاوي رجع!!)..أما مسرحية الحياة الجميلة التي نحن أبطالها بامتياز، فإن ثمة (مستكاوي) يختفي كل فترة ثم يعود إلينا حاملاً (دلوه)، ومبتدعاً أصنافاً جديدة من التصريحات والتقولات والرؤى..هذه المرة المستكاوي كان امرأة.. لا ندري إن كانت سيدة أم آنسة، دكتورة أم حاجّة.. وقد بدّلت ولاءاتها وكتلتها ومُلهمَها عشرات المرات.. وكلما ظهرت على الشاشة وضعتُ يدي على قلبي.. لأنها تثير عندي الاشمئزاز من السياسة والسياسيين والناطقين والمستشارين.. وأنا لا أرفضها لذاتها لأني لا أعرفها، وهي محترمة من جهة إنسانيتها وشخصها، بيد أني أرفض النموذج الذي يسكن الاستوديوهات، باحثاً عن فرص التصريحات التي تشعل النيران، ولا تضيف لمعلوماتنا شيئاً، غير أنها تضيف لمعاناتنا الكثير.ولو كانت ذاكرتنا الجمعية محصنة من النسيان، لذكرنا تصريحات أمثال هؤلاء السياسيين والمستشارين حيث يُقلبونا على النار ثم يضحكون في ما بينهم.. ولقد كنت شاهداً في أحد فنادق عمان الكبرى على معركة بالتصريحات بين اثنين من السياسيين، حيث صرّح الأول للقناة وأنا استمع، ثم تنحى جانباً وجاء الآخر فصرّح للقناة ذاتها، فأظهر الأول مجرما طائفيا تابعا لدولة مجاورة كما فعل الأول. وبعد انتهاء التسجيل سحب أحدهم الآخر من يده ودخلا مطعم الفندق!إن المستكاوي، وهو (حانوتي) هذا الزمان، مستعد لقول أي شيء ليرفع حرارة الموقف، تماما كما يفعل فيصل القاسم في اتجاهه المعاكس، غير أن فيصل القاسم يختارهم بعناية.
على هامش الصراحة: المستكاوي رجع!!
نشر في: 4 ديسمبر, 2011: 06:41 م