د. مهدي صالح دوّايعادة ما تشكّل الأنشطة الاستثمارية تحدّيا حقيقيا لقدرات الدول في تحويل ما لديها من موارد طبيعية ومادية وبشرية إلى مخرجات صناعية وزراعية وخدمية متنوعة ، ويبقى من أبرز تلك التحديات ؛ الوصول السهل إلى الفرص الاستثمارية من قبل المستثمرين المحليين والأجانب ، إذ عادة ما تبتلى الدول (بطيئة النمو) بتعقيدات إدارية وفنية وأمنية تحرم شعوبها من التمتع بمواردها ، وإطلاق إمكاناتها الاقتصادية نحو الاستثمار الأمثل ، مما يفضي إلى حقيقة معاصرة تفيد بأن ازدهار الدول ليس بما تمتلك من موارد ، وإنما بما لديها من فنون وآليات إدارية قادرة على اقتناص الفرص الاستثمارية لتعظيم العوائد وتدنية الكلف لتلك الموارد .
من هذا المنطلق فإن الاقتصاد العراقي بأمس الحاجة إلى (دخول سهل) ، للتعاطي مع الاستثمار بشتى أشكاله ، بعدما تحسنت مصادر التمويل والرفع التدريجي للموازنات الاستثمارية ، مقارنة بمستويات الأداء المتعثر التي تصعّبها مجموعة الإجراءات والتشريعات والبيئات غير المواتية للاستثمار ، فقد رصد أحد تقارير البنك الدولي المعني بتنظيم الأعمال التجارية ، أن ترتيب العراق وفقا للمؤشرات المبينة على مستوى(181) دولة كان كالآتي : ممارسة أنشطة الأعمال ( 146 ) ، وبدء المشروع (166) ، واستخراج تراخيص البناء (103) ، وتوظيف العاملين (66) ، وتسجيل الممتلكات (41) ، والحصول على الائتمان ( 16) ، وحماية المستثمرين (110) ، ودفع الضرائب (39) ، والتجارة عبر الحدود ( 78) ، وتنظيم العقود ( 149) ، وإغلاق المشروع (18) ، وقد عبرت تلك التعقيدات عن ارتفاع كلف دخول المستثمر العراقي إلى الميدان ، إذ يحتاج إلى ( 3000) دولار أمريكي، وفقا للبنك المركزي ، وأكثر من ( 3) أشهر ويمر بـ(20) حلقة إدارية حتى يسمح له بتنفيذ مشروع ، بينما في كندا مثلا ً فإن الفترة لافتتاح أي مشروع استثماري لا تتطلب سوى يومين و(100) دولار ، وحلقتين إداريتين . وعلى هذا الأساس ينبغي التركيز عراقيا على ثلاثة جوانب لتأمين درجة عالية من انسيابية دخول المستثمر إلى الحقول الاستثمارية ؛ الجانب الأول: يتعلق ببرامج إحصائية (ميدانية ونظرية) لتأمين درجة عالية من التعاطي الواقعي والدقيق مع الموارد والثروات ، والثاني يهتم بتصميم خرائط وطنية ومحلية تسهم في تحديد مواقع الأنشطة الاستثمارية ، والجدوى الاقتصادية لها والأفق الزمني المحدد للتنفيذ ، والثالث ينصب التركيز فيه على مبدأ (النافذة الواحدة) ، التي ترفد المستثمر المحلي والأجنبي برؤى وتصورات عن ميادين الاستثمار من خلال تقنيات وبيانات مرئية ، بالإمكان من خلالها اتخاذ قرارات الاستثمار ، وما يتعلق به من أنشطة تخطيطية وتنفيذية ورقابية .إن تلك الجوانب ستكون فاعلة جدا في حالة وجود خدمات (لوجستية) داعمة للاستثمار ، تتمثل بقوانين مواكبة ، وبنى تحتية نوعية وعادلة في التوزيع إقليميا، ومجمل تلك الجهود الصعبة تجعلنا نفهم الدرس الاستثماري بسهولة تضمن النجاح.
فضاءات: الاستثمار السّهل
نشر في: 4 ديسمبر, 2011: 06:57 م