فخري كريم
ليس من باب الصدفة، أن تتسع مساحة الغضب والاحتجاج والاحتقان الطائفي، بين أهلنا أبناء المنطقة الغربية وحواضرها،
وفي أوساط المكون "السني"، بعد "الصولة الأمنية" التي استهدفت وزير المالية رافع العيساوي بجريرة ما قيل عن تورط عناصر حمايته في "قضايا إرهاب" لها علاقة باعترافات حماية طارق الهاشمي التي مضت على احداثياتها ما يقرب السنة. وقد أثار هذه الأوساط ما اعتبرته استهدافاً "طائفياً" مقيتاً، ومحاولة لتصفية حسابات سياسية بوسائل امنية.
ودون ان أبرئ "الصولة" من طابعها الاقصائي المقيت، او اخفف من عواقبها او ان ابرر اهدافها المباشرة، لا بد للرأي العام والقوى الحية فيه، أن تتوقف عند هذه الظاهرة، باعتبارها وجهاً من وجوه الأزمات المتلاحقة التي تتوالد كل يوم، وامتداداً لمظاهر التراجع والتدهور التي تشهدها البلاد جرَّاء السياسة الاقصائية المنفردة السائدة. وهي سياسة تعكس استمراءً لكل ما يُكَبّل إرادة شعبنا، وينتزع منه القدرة على المواجهة والتعطيل لما يدبّرُ له بليلٍ، ويُساق إليه في سياقٍ مترابط نحو التسلط والاستبداد المموّه.
ومن حق الأوساط الشعبية والسياسية المعنية بالاحتجاج والغضب أن تشك وتتبرّم مما ترى فيه استهدافاً لها، لكن عليها ان تحذر من الانجرار إلى "فخ" العزلة الطائفية، وان تتجنب التحرك بمعزل عن كل شرائح المجتمع الاخرى، سليمة الطوّية، عابرة تخوم الطوائف واعتباراتها، وان تتجاوز أي إحساسٍ يُرحِّلُ المسؤولية من مُرتكبها الى ابعد منه سياسياً وتكوينياً.
فليس صحيحاً مهما بدا ذلك ملتبساً في الظاهر، أن السياسة الراهنة بكل تجلياتها انما هي تجسيدٌ لإرادة "الشيعة" او حتى لكل الأطراف الحاملة ولو في الظاهر لهمومهم ومصالحهم، بل إنها تعبير مباشرٌ للهيمنة الفردية المغامرة، وتسويق لهدف غير مشروع، منافٍ كلياً للدستور، ولجوهر العملية السياسية، ونزوع لفرض دكتاتورية خارج ارادة كل الطوائف والمكونات وقواها السياسية.
ان مسلسل الأزمات سوف يستمر، إذا ما ظل كل طرفٍ في العملية السياسية اسير خياراته ومصالحه الضيقة، وإذا ما ظلت الحلول والمبادرات تراوح في دائرة التسويات المخلة والمخاتلة، دون ان ترتقي الى مستوى التحديات التي تمثلها اللحظة الراهنة من منحنى الازمة، وما تنذر به من انحدار نحو المجهول.
فالطابع الشامل للازمة المتفاقمة، بجوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، يتطلب حلاً جذرياً للخروج منها. ومثل هذا الحل لا يمكن ان يتمثل بمحاولات "الاحتواء" او "التجميد" او اي تدبير لا يجتث مصادر الأزمات ويجفف منابعها.
وقد بات معروفاً مسببات ما نحن فيه من وضع متردٍ. وبات معروفاً ومتداولاً بين كل الفرقاء، ان كل ذلك متمثلٌ بالخرق المستمر للدستور والانفراد بسلطة القرار والتحكم بمفاصل الدولة وقراراتها وإقصاء كل من لا يقبل التطويع ويعلن الولاء، وتعطيل استقلالية القضاء وعرقلة ارادة السلطة التشريعية عن طريق الموالاة، وتركيز إدارة القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، والنهب العام للثروات وإشاعة ظاهرة الفساد، والتعديات على الحريات.
ورغم وضوح كل هذا الذي يُساق، تبقى ظاهرةً للعيان المساحة المحدودة التي يتحرك في زواياها المنفرجة، شركاء العملية السياسية، وهو ضِيقٌ تتراجع لمحدوديته فسحة الأمل التي تتشبث بخيوطها قواعدها الشعبية المعزولة عنها في واقع الحال، إحساساً منها بالخيبة والخذلان.
لقد شهدت الاشهر الاخيرة بضع أزمات من عيارٍ ثقيل، كلّ منها على انفراد شكل تهديداً جدياً خطيراً لوحدة نسيج المجتمع، وللتكافل بين مكوناته، ونذيراً لفصم عرى العمل المشترك بين القوى المؤسسة للعملية السياسية، وتفريطاً بما تحقق من فتات مكاسب ومنجزات، يتم قضمها بالتدريج. وتمخضت متواليات الازمات وتفاقمها عن اعادة انتاج الفتنة الطائفية، والتلويح للمرة الاولى بـ"الحرب القومية" العربية الكردية!
ان اللعب على اثارة الشكوك والضغائن بين شرائح المجتمع العراقي، الطائفية منها والعرقية، هو لعب في الوقت الضائع، ومداعبة سمجة على وتر ضعيف نغمته نشاز..
فهل لهذا كله ان يوقظ من "السبات" القوى الحية في مجتمعنا العراقي ويستنهضها، لعلها هي وبإرادتها الحرة، تتصدى لما تواجه من تحديات ومخاطر؟
جميع التعليقات 3
اراس جباري- ناقد عراقي
الاستاذ الفاضل فخري كريم ..تحياتي لايمكن حل الازمات التي يفتعلها السيد نوري المالكي باصطفات القوى المتضررة جراء التفتاف المالكي على الدستور ومحاولة جر العراق الى كارثة طائفية بعد ان خف وطئتها اخيرا او ادخال العراق بمواجهات عسكرية و محاولته الفاشلة لجرد ال
ابو سارة العراقي
الاخ الكريم فخري كريم لايغيب عن بالك وبال كل المراقبين ان المالكي وصل الى مرحلة بوش عندما قال ان الذي معنا هو المسالم والذي ضدنا هو الارهابي بعينه وواليوم على ماذا يراهن المالكي ؟؟الا تلاحظ انه يدفع بالاقاليم للانفصال؟؟ وكل هذا لمصلحة من؟؟ الا يستطيع الما
ابو احمد
اغلب السياسيين الحاليين من الشيعة والسنة ومنهم الحكومة مشاركين اومساهمين بالقتل والارهاب ..لايحيل المالكي حلفاءه الا القضاء بتهم الارهاب لان لديهم السلطة ولخوف المالكي من اسقاط الحكومة في حال فتح ملفاتهم ..