هاشم العقابيالمكصكص مصطلح يتداوله (المطيرجيّة) ويعنون به الطائر الذي أُخذ من جناحيه كي لا يطير أو يهرب إلى من حيث أتى. وقد يلجأ هؤلاء إلى وضع الطائر المقصوص الجناح على السطح في أمل أن يراه طائر آخر فيهبط بجنبه ويتم اصطياده. ومن هذا المعنى استنبط العراقيون المثل القائل: "ألعب بالمكصكص لمن يجيك الطاير". والمقصود بالمثل هو أن تتسلى أو تدبر أمورك بما هو موجود حتى إن كان شحيحا، بأمل أن يأتيك الخير.
إنه ترجمة شعبية لقول أحد حكماء العرب: "معاجلة الموجود خير من انتظار المفقود". مع هذا يظل القول العربي أرحم وأقل قسوة من فكرة اللعب أو التسلي بـ "المكصوص" كما جاء في المثل الشعبي. فقص جناح الطائر فكرة لا تخلو من نوازع سادية تستطيب تعذيب الكائن الضعيف. ولقد أجاد وصفها الشاعر بقوله:كعصفورة في يد طفل يهينهاتقاسي عذاب الموت والطفل يلعبفلا الطفل ذو عقل يرق لحالهاولا الطير مطلوق الجناح فيهربوعريان السيد خلف، أيضا، تناوش هذا المعنى بقوله: "وآنه مثل الطير لو طاحن طوارف سنبكاته". لا أقصد بقولي أن كل من يردد هذا المثل أو يستشهد به هو سادي النزعة. بل هذا هو الأكثر احتمالا، إن المقصود هنا هو أن يبقى لدى الإنسان أمل في تحسين أحواله. كان صديقنا الراحل شريف الربيعي يكثر من ترديد هذا المثل في أيام القحط العاطفي والمادي حتى صرنا نردده من بعده حين يشتد بنا اليأس.رضينا بالمنفى كبلد مقصوص الجناح . ورضينا بقلة الزاد وبُعد السفر ووحشة الطريق، إلى أن نعود الى الوطن الأم. وحلّ يوم العودة وعدنا للعراق فوجدناه هو الآخر مقصوص الجناح يلعب به المفسدون ويضحكون عليه وعلى ناسه.فبلد بلا كهرباء على مدى ثماني سنوات وحكومته لا تفعل شيئا يظل كسير الجناح والحكومة تلعب به. وشعب لا ينام ولا يستيقظ آمنا هو شعب مضحوك عليه لا محال. وأمة شبابها بلا عمل أو أمل أو مستقبل، تظل حالها أشد بؤسا من حال عصفور كسير بيد طفل.توجهت أمس لزيارة شريف الربيعي الساكن في مقبرة قريبة من بيتي بضواحي لندن. لم أبك عند قبره، كما كنت أفعل حين أزوره سابقا. كل ما فعلته هو أني همست له، وكأنه يسمعني: حسنا فعلت إذ مت يا شريف، فالطائر الوطن الذي كنت توعدنا به لم يأت، بل صار مثلك بلا حراك. الفارق بينكما هو أنه ليس فينا من ضحك أو يضحك عليك. أما هو فالضاحكون عليه صاروا نوابا في البرلمان وحكاما بالمنطقة الخضراء. نعم يا شريف صارت عندنا منطقة تسمى الخضراء وفيها حكومة تجيد اللعب "بالمكصكص"!
سلاما ياعراق : إلعب بالمكصكص
نشر في: 9 ديسمبر, 2011: 06:54 م