وديع غزوانما حدث في زاخو ليس بالشيء البسيط ولا بالهيّن كونه يتعلق بأكثر ما نفتخر فيه كعراقيين ونقصد روح التسامح والإخوة والمحبّة التي طبعت علاقات جميع المكونات في إقليم كردستان .. الضرر كبير ويتعدى جوانبه المادية ، فهو محاولة بائسة لزعزعة قيم اجتماعية ترسخت وتعمقت بسنوات نضال ومعاناة وأهداف مشتركة التقى عليها الجميع .
وبغض النظر عن كل نتائج الجهود التي بذلت في تطويق تداعيات ما حدث وأبرزها اجتماع المكتبين السياسيين للاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستانيين بإشراف الرئيسين جلال طالباني ومسعود بارزاني ، فإن هنالك شبه اتفاق على أن مسؤولية وطنية تقع على الجميع ،مواطنين وأحزاب ورجال دين ومنظمات مجتمع مدني ، من أجل تدارك ما حصل والوقوف عند أسبابه بكل جرأة، وتشخيص الدوافع الحقيقية التي أججت مشاعر أقل ما يقال عنها حاقدة ومملوءة بروح الكراهية البعيدة عن كل قيم السماء والدين والأخلاق . كلمة بارزاني في اجتماعه مع أهالي المنطقة فيها معان ومدلولات عميقة تجعلنا نستغرب تحليلات حاولت أن تربط بصورة قسرية ما جرى من عنف بما شاع تسميته بالربيع العربي ، خاصة أن هنالك اتجاهاً يتعمق في الإقليم لتعميق النهج الديمقراطي وتأكيد أهمية إجراءات واسعة في بنية العملية السياسية الكردستانية ، ناهيك عن أن الربيع يرمز إلى تجدد الحياة والحب وصفاء النفس، في حين أن ما حصل هو موت ودمار وتخريب نفوس .. الربيع كل شيء جميل وأحداث (بادينان) وما رافقها وسبقها هو كره وتعصب وقتل وغدر وتجاوز على قوانين وقبلها تجاوز على المجتمع وسلمه . ما جرى لم يكن يستهدف المسيحيين والإيزيدين فقط بل كل مكونات المجتمع الكردستاني وتجربته التي هي محط إعجاب الجميع بما حققته من منجزات سياسية واجتماعية كانتا هما الركيزتين لما تحقق من نهضة اقتصادية . قد تكون هنالك أخطاء رافقت التجربة وهو ما لا ينكره أحد، وقد تكون هنالك خلافات بين الكتل السياسية بشأن هذه القضية أو تلك تصل إلى حد الأزمة أحياناً، غير أن ما نعتقده هو أن الجميع عليه أن يضع ألف خط أحمر على القواسم المشتركة التي يجتمع عليها جميع من يعيش في كردستان وعلى مبادئ التآخي والمحبّة وروح التسامح التي نفتقدها كثيراً وعطلت مشاريع كان يمكن أن تقطع أشواطاً على طريق بناء عراق ديمقراطي يشعر فيه الجميع بالأمن والأمان والعدالة بعيداً عن الخوف ومستقبل غير واضح المعالم . من حق بل من واجب أية جهة في العراق بشكل عام أو في كردستان خصوصاً أن تتوقف عند ما حدث ولكن بعيداً عن نظرة التشفي وكأن تجربة الإقليم لطرف دون آخر، لأن هذه التجربة ملكنا جميعاً عرباً وكرداً وتركماناً وإيزيدين ومسيحيين ومسلمين وصابئة ، إنها لنا جميعاً ، لذا فمن مسؤوليتنا أن نحافظ عليها من أي تشويه ولكي تبقى مترعة بالأمل والثقة التي أهلتها لاحتضان الجميع . بقدر ثقتنا بقدرة كل مكونات كردستان على تجاوز ما حصل لأنها أصلاً مجبولة على رفض مثل هكذا أعمال ، فإن هذا لا يعفينا من الاعتراف بأن ما جرى أكد ضرورة العمل على إيجاد مشتركات تضمن عدم تكراره.. ما حصل لم يخفنا بل مدعاة لوقفة نلمس فيها تطبيقاً سريعاً وواقعياً لما أسفر عنه اجتماع المكتبين السياسيين للبارتي والاتحاد الوطني ، خاصة في مجال الحوار مع الأطراف الأخرى والاستماع إلى انتقاداتها ومقترحاتها .
كردستانيات: أين الربيع من كل هذا؟!
نشر في: 9 ديسمبر, 2011: 07:45 م