إحسان شمران الياسرييوم الاثنين 12/12/2011 توقف قلبٌ نبض نحو تسعة عقود بحب العراق وأهل العراق.. وغرّد مع سرب الداعين لرِفعة العراق وعلو شأنه.. توقف قلب السيد مالك الياسري، ورحل عن دنيانا التي أتعبته وأتعبها.. توقف القلب الذي آذاه أن يبكي من الناس الذين بكى من أجلهم.. هكذا رفع السيد مالك صوته إذ رأى الآمال تتبدد، والأحلام تنزوي.. ونزيف الدم بلا نهاية..
اليوم يأخذ الشعب العراقي عزاءه بشخصية وطنية واجتماعية ضخمة.. شخصية لن تتاح في كل زمان لمجتمع كثير التعقيد مثل الشعب العراقي.. فالسيد مالك الياسري من أوتاد الشعب العراقي الذي لا يمكن الاستعاضة عنه بشخص أو حزب أو حركة أو عقل. فلقد خسرت الوطنية الصادقة والعميقة شخصاً كان إلى جانبها منذ أن تفتحت عينيه على حب العراق وتشكّل عنده الوعي الذي نحن الآن نفتقده لدى الكثيرين.. ومنذ تفتحت عيني وبدأت أعي وأفهم كنت أجد الراحل في طليعة الذائدين عن القيم الكبيرة.. والشامخة. كانت معاييره في تقييم السلطة والساسة واضحة، أولها خدمة الناس، وإتاحة خيرات العراق الوفيرة لهم.كنت اسمعه يئن وهو يرى الجائع والعطشان.. كان يئن من الفاسدين والكاذبين.. كان شديد الوضوح في التعبير عن رأيه، ولم يتوقف عن ذلك حتى عندما كنا نتوسل أن يتساهل قليلا في التعبير عن آرائه ومواجهة الفاشلين والمنافقين والفاسدين..كان صادقا، غني النفس والمحضر.. لم يتعال على الناس مهما كانت منزلتهم او ثقافتهم او ثرواتهم.. وكان من أكثر الذين يحترمون عقائد الناس، ويرفعون من شأن رموزهم، ويراعون طقوسهم ومعتقداتهم، مع انه دان في غير موضع استخدام الدين لخداع الناس وكسب الرزق. لقد كان شجاعا في التعبير عن رأيه، وشجاعا في مواجهة الظلم، وشجاعا في التضحية براحته وصحته وماله.. وشكّل وجوده في محافظة واسط علامة كبيرة من الإشراق، ومن صيرورة الشخصية المنفردة التي يمكنها أن تكون الأنموذج للإنسان وعلامة للأصالة، في زمن عزت فيه الصور الكبيرة على التشكل والانبعاث..كان فلاحا قريبا من الأرض ومن خيراتها، وكان خبيرا بها وبمكامن عطاياها.. وكان خبيرا بالناس.. يعرفهم.. ويعرف نقاط قوتهم وضعفهم.. ويعرف همومهم وبواعث سعادتهم. ويوم تلوذ الناس بالخوف من الخوف.. كان هذا الرجل في طليعة المتصدين للمحنة.. فقد وقف غير ذي مرة بين مرامي البنادق، وعلى مرمى المتقاتلين يوم كان الجهل يدفع بالناس إلى الاقتتال.. فلقد استعانت به الأمة للمهام التي عجزت عن حلها السلطة والعشائر والوجهاء.. سيترك رحيل السيد مالك الياسري ذكرى جليلة في ذاكرتنا العراقية على طول العراق وعرضه.. فلقد عرفه أهل الجنوب مثلما عرفه أهل الغرب والشمال.. وأحبه أهل الموصل والكرد والدليم وأهل الاهوار.. فهو لم يكن رجل دين أو رجل سياسة.. كان عراقيا فاقترب منه العراقيون، وشكلوا معه وطنا جميلا كان يحلم أن يكون لهم.. تغمد الله السيد مالك بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته وجعل عاقبته خيراً على العراق والعراقيين..
على هامش الصراحة: السيد مالك الياسري.. وداعاً..
نشر في: 13 ديسمبر, 2011: 07:31 م