حازم مبيضين على الرغم من انقضاء تسعة شهور على حراك الشارع السوري, المطالب بإصلاحات حقيقية, تعيد للشعب دوره في اختيار حكامه, وبرغم سقوط العديد من الضحايا, سواء في صفوف المتظاهرين أو أفراد القوات المسلحة, ورغم بروز بوادر فتنة طائفية يتهم المعارضون الحكم بإثارتها, فيما تحذر السلطات منها وهي تحتضن الأقليات الدينية والمذهبية, فان المؤكد أن التدخل الأجنبي في الشأن السوري, خصوصاً إن كان عسكرياً,
هو الخطر الأكبر الذي على الجميع تجنب الوقوع في شباكه, التي ستلتف على رقاب السوريين حكماً ومعارضة, ولن تفلتها حتى آخر قطرة في دماء السوريين, وحتى هدم آخر حجر في مستقبل بلاد الشام, وحسناً فعل مؤتمر بروكسل للمعارضة حين رفض الدعوات إلى التدخل العسكري، باعتبار أن ذلك يهدد بزعزعة أمن واستقرار المجتمع السوري، وحسناً يفعلون وهم يتمسكون بخيار الحل العربي في إطار الجامعة العربية. تبدو مبالغة فيها الغيرة الغربية على حرية السوريين, وإلى حد أن تدعو مجموعة نيابية في البرلمان الأوروبي عدداً من التنظيمات السورية المعارضة إلى جلسات تبحث سبل بناء مستقبل ديمقراطي في سوريا، والدفاع عن حقوق المرأة وقضية حق تقرير المصير للأكراد, وكان لافتاً أن المعارضين اختلفوا على نسب تمثيلهم في المؤتمر, وهو اختلاف لا يندرج تحت بند الديمقراطية, بقدر ما يؤشر على عقلية إقصائية يمارسها البعض, ولنا أن نسأل عن مصير سوريا فيما لو قيض لهؤلاء تولي الحكم في دمشق, كما برزت خلافات حول مبدأ حق تقرير المصير للأكراد، باعتبار أن ذلك يثير الخوف والقلق لدى المجتمع السوري, ونسي هؤلاء أن الأكراد يمثلون جزءا أساسيا من المجتمع السوري, وأن من أبرز حقوقهم المشروعة الحق بتقرير المصير ضمن سوريا الموحدة.في الأثناء فإن النظام السوري لا يزال مصمماً على الحل الأمني, وهو يماطل في التعاطي مع المبادرة العربية, الرامية إلى إنهاء الأزمة التي تعيشها البلاد منذ ما يزيد على تسعة أشهر، والتي لا تعني مطلقاً التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا, أو التعدي على سيادتها الوطنية, بقدر حرصها على حماية أبناء الشعب السوري, سواء من المدنيين أو أفراد الجيش من القتل, وفي حين تتمهل الجامعة العربية, وتمنح دمشق المزيد من الوقت للخروج من الوضع الراهن, وتجنّب مصير يلفه الغموض، فإن التلويح بتدويل الأزمة بدأ يأخذ منحىً أكثر جديةً, وبما يثير الخشية من تكرار النموذج الليبي, مع ملاحظة أن سوريا هي غير ليبيا من كل النواحي, ولعل التجربة الليبية، التي لم تثمر حتى الآن نموذجاً مشجّعاً يمكن دعمه، تزيد من المخاوف على مصير سورية, التي يبدو لزاماً عليها التقاط اللحظة العربية الراهنة, قبل أن تجد نفسها أسيرة لدوامة التدويل، التي ستصل حتماً إلى التدخل الأجنبي, المرفوض من كل محبي سورية.مهم جداً ألا تواصل دمشق الاعتماد على ثبات مواقف روسيا والصين, وحتى حليفتها إيران, فهذه دول تفتش عن مصالحها ولا تنقاد للعواطف, ولنا في تجربة موسكو مع نظام القذافي ما يؤكد ذلك, مع تأكيدنا ثانيةً أن سوريا هي غير ليبيا من كل النواحي, وأن لتغيير النظام السوري بالقوة الخارجية نتائج تختلف كلياً عن إطاحة العقيد الليبي, ومؤكد أننا ضد دعوات الشيخ المصري القطري القرضاوي, الهادفة لتمكين الإخوان المسلمين من الحكم في بلاد الشام, ونعرف أنه ينتظر الفرصة ليقف على منبر المسجد الأموي مطلقاً فتاويه في كل الاتجاهات, ونتمنى أن يلتفت النظام السوري دون مكابرة إلى واقعه وإلى فشل الحلول الأمنية وأن يبحث عن الحلول السياسية التي تحفظ سوريا وشعبها, وتمنع أي تدخل خارجي.
في الحدث :ضد التدخل الأجنبي
نشر في: 14 ديسمبر, 2011: 07:49 م