بغداد / أكرم عزيز هدوء وسكون يعمّ المكان ...يجلس الأستاذ على كرسيه أمام اللوح الخشبي الأخضر. يبدو كمن يسرح الى البعيد لكنه يرنو إلى مدخل القاعة بانتظار حضور الطلاب. بعد دقائق طويلة، تطل طالبة، تحيي الأستاذ وتجلس قبالته وينتظر الاثنان اكتمال النصاب. هذا المشهد في إحدى الكليات في بغداد ...
انتهى الأمر بإلغاء المحاضرة بعد حضور خمسة طلاب من أصل 30 . لم تختلف صور الصفوف الأخرى، المقاعد تؤنس اللوح والطبشور يكتب نفسه والهواء يتسلل من النوافذ الى الأبواب المشرعة ومنها الى الرواق.«المغاوير قطعوا الطريق علينا اليوم»، أو «المنطقة التي نحن فيها مطوقة ولم يسمح لنا بالخروج من بيوتنا»، أو «عبوة ناسفة كانت في طريقنا»، أو «أنا معيل لعائلتي وملزم بالعمل ولا أمتلك المال الكافي للاستمرار بالدوام» و«أنا موظف أو عسكري والآن حالة إنذار». هذه عينة من الأعذار التي - وبحسب كلام أحد أساتذة جامعة بغداد - «نسمعها كل ساعة من طلبتنا الذين لا يحضر منهم سوى أعداد قليلة كل يوم للصفوف». ولهذا فقد استحدثت الجامعات نظاما الكترونيا لرصد التغيب. وما يعتبره الأستاذ أعذاراً جاهزة أو غير حقيقية ستجدها عند الطلبة هموما كبرى وأعباء. عدد كبير منهم غير قادر فعلا على تحملها في ظل ظروف أمنية واقتصادية صعبة التحمل، وهنا يكون الغياب عن الدوام هو ملاذهم الوحيد.محمد سعد، طالب في كلية العلوم ، يقول : إن المشاكل التي تعترض انتظامه بالدوام كثيرة، ومن أهمها التنقل الذي يعتبر مشكلة مستمرة. أما الوضع الأمني فهو عادة ما يكون سببا في عدم انتظام الإناث والذكور على حد سواء. إن الجامعات التي تقع في مدن هي الأخرى كانت معظمها تمر بحالة عدم استقرار ما تسبب في إغلاق أبواب جامعاتها لفترة طويلة بسبب سوء الأوضاع في المدينة، الآن الوضع الأمني جيد نوعا ما لكن هناك مشاكل أخرى منها كثرة تكاليف الدوام المستمر، وهناك عوائل لا تستطيع تحمل أعباء دراسة أبنائها في الجامعات، وهنا يكون الدوام متقطعا بحسب الحالة المعيشية. سلام علي ،طالب جامعي ،يقول إنه معيل لعائلتين، وهذا ما اضطره إلى الاستعانة بفتح مشروع صغير محل لبيع الموبايلات لتأمين مصدر عيش له ولعائلته الكبيرة، ولهذا لا يتمكن من الدوام لعدم توفر المال الكافي، فمعدل ما يحتاج اليه الطالب كل يوم يتراوح ما بين 15 ، و25 الف دينار أغلبها تذهب للتنقل وتكاليف تأمين المصادر وأجور طباعة الملازم وغيرها، ناهيك عن شراء الملابس، فالجامعات الآن عبارة عن دور أزياء تلزم الطلبة بالظهور أمام الآخرين بمظهر لائق.الشقيقان مشتاق وادهم وجدا طريقة لإعانة عائلتهما عندما قررا أن يدرس كل واحد منهما عاما دراسيا بينما يجلس الآخر في البيت، حيث لا يمكنهما المحافظة على الدوام معاً. وحسب تعليق مشتاق فإن تلك الطريقة كانت إجبارية «كنا على يقين بأن أهلنا غير قادرين على تأمين مصروف لنا معاً». وأضاف أن هذه المشكلة تواجه أغلب العوائل التي لديها أكثر من طالب في الجامعة، إذ توازي نفقاتهم مصروف العائلة اليومي، وهنا يضطر الذكور إلى العمل والدراسة، أما وضع البنت في العراق فلا يسمح لها بأن تعمل وهي ما زالت طالبة في الكلية، وهنا علينا إيجاد ما يسهل على العائلة ذلك، فهذه الطريقة التي وجدناها هي الأنسب. أما سؤدد حارث الطالبة في جامعة المستنصرية فتقول: إن الحالة المعيشية للطلبة يمكن أن تلاحظها من خلال السيارات التي يأتون فيها صباحا، فقسم من الطلبة يستأجرون ما يسمى بـ «الخطوط»، فتجد أن بعض حالتهم ميسورة فيستأجرون سيارة فيها نظام التكييف ومريحة وحديثة، وهذه تكون كلفتها أعلى من السيارات الأخرى، التي لا تتمتع بكل هذه الامتيازات. وأضافت أنها تعرف طالبات في الكلية معها لا يستطعن تأمين تكاليف الدوام بشكل يومي، فكل طالب يحتاج الى ما معدله 10 آلاف دينار كل يوم ما بين أجرة الذهاب والإياب ومصاريف أخرى مثل الجوال وتصوير ملازم الدراسة. ومن الأسباب الأخرى التي يعانيها الطلبة، بحسب سؤدد، هو أن ظروف كل جامعة تختلف عن الأخرى. فمثلا الجامعة المستنصرية لا يوحي شكلها بأنها جامعة، إذ لا توجد فيها حدائق ولا أشجار ولا خدمات، «حالتها بائسة جدا.. الخدمات وطبيعة المكان مهمة جدا لتشجيع الطالب على الانتظام»، مشيرة إلى أنه حتى الماء على الطلاب شراؤه من مطعم الكلية فقط. ظاهرة التغيب الآن بدأت تقل تدريجيا، عاد الطلبة للتعايش مع الأوضاع . تدريسي في الجامعة التكنولوجية يقول: على الرغم من تراجع معدلات أو نسب غيابات الطلبة خلال العام الدراسي الحالي فإنها تبقى كظاهرة مستمرة، والأسباب عديدة، منها عدم التشدد أو المحاسبة على الغياب،فالجامعة التي أنا فيها لم يسبق لها ومنذ عدة أعوام أن قامت بفصل طالب لتجاوزه الحد المسموح به من نسبة الغياب، والجميع يعلم أن هذا الأمر ضروري للتشجيع على الانتظام بالدوام، ونحن نرى أن بعض الطلبة يحضرون فقط نهاية العام لغرض أداء
طلاب الجامعات .. ومشكلة الغياب المزمن
نشر في: 17 ديسمبر, 2011: 06:39 م