د.سامي عبد الحميدقرأت المقالة التي نشرها الصديق (عبد الله حبة) وهو المغترب في روسيا عن مسرح التاكانغا الذي كان يقوده المخرج الروسي الطليعي البارز (يوري لوبيموف) والحق أن هذه المقالة لم تضف إلى معلوماتي جديدا سوى ترك ذلك المخرج المبدع لفرقته بعد سنوات طويلة من الابتكارات المسرحية التي تدرس اليوم في اغلب معاهد الفن المسرحي في العالم.
ولكن هذه المقالة ذكرتني بحدث مهم في حياتي الفنية ألا وهو مشاهدة عملين لذلك المخرج الفذ عند زيارتي موسكو عام 1975 عندما حضرت مؤتمر المسرح العالمي.وكنت بوقتها قد أخرجت لفرقة المسرح الفني الحديث مسرحية (هاملت عربيا) فرحت أقارن بين مقاربتي لمسرحية شكسبير الرائعة ومقاربة المخرج الروسي لذلك النص الشكسبيري الأكثر شهرة، فقد توجه المخرج الروسي برؤية جديدة لا علاقة لها بتقاليد المسرح الإليزابيثي ولا بالأعراف التي سار عليها المخرجون في القرون التالية، فقد لجأ الى المعاصرة من جهة، والى الاختزال من جهة أخرى.. معاصرة المسرح بدأت من ظهور (هاملت) بطل المسرحية وهو يحمل (غيتاراً) يعزف عليه مقطعاً من حوارات هاملت مرتدياً ملابس قريبة من طراز العصر الحاضر تلك التي يرتديها الشباب الأوروبي بعد منتصف القرن العشرين، وراح ممثل دور هاملت يتصرف تصرفات شباب عصره وليس تصرفات المسرح التقليدي واختزالاً لم يستخدم (لوبيموف) ديكورات فخمة تمثل قلعة (السينور) الديناميكية القديمة، بل استخدم ستارة (خيش كبيرة) بطول وعرض الفضاء المسرحي وتتحرك بكل الاتجاهات الى الأمام والخلف والى اليمين واليسار وتدور حول نفسها، وما زلت أذكر المشهد الذي تتم فيه محاكمة الأمير هاملت من قبل عمه الملك المغتصِب (بكسر الصاد) وأمه الخائنة التي اشتركت في قتل زوجها هاملت الأب، وذلك بعد قتل هاملت الوزير (بولونيوس) فقد عهد المخرج إلى مد أربعة سيوف تخترق تلك الستارة بموازاة الأرض، ويأتي العم والأم ليجلسا بين تلك السيوف دلالة على أنهما لن يفلتا من العقاب.وفي إخراجي للمسرحية نفسها أيضاً لجأت الى استحداث بيئة جديدة للعرض غير بيئة الدانيمارك القديمة بل بيئة سواحل الخليج العربي في المرحلة الأولى من القرن العشرين، حيث حدثت أحداث مشابهة للحدث الرهيب الذي افترضه شكسبير استناداً الى الصراع على السلطة وحيث يقتل الابن أباه أو الأخ أخاه.لقد استخدمت السجاجيد والمفارش العربية كمفردات ديكورية واستخدم (الهاون) ضابطاً للإيقاع واستخدمت أغاني البحر خلفية صوتية لأحداث.وهكذا مثلما تصرف (لوبيموف) بنص شكسبير ولم يسيء إليه، فعلتها أنا.وهنا لابد من أن أذكر أن أكثر الأعمال شهرة لذلك المخرج الروسي مسرحية (عشرة أيام هزت العالم) التي أعدها من نص أدبي للكاتب الشهير (ايكيا اهرنبورغ) ولم يشر إليها الصديق عبد الله حسين في مقالته.
لوبيموف ومسرح تاكانغا
نشر في: 18 ديسمبر, 2011: 07:08 م