حسين عبدالرازق كان يوم الخميس الماضي يوماً غير عادي في حياتي، غادرت منزلي في الثامنة صباحاً متجها إلى اللجنة التي سأدلي فيها بصوتي في انتخابات مجلس الشعب بعد أن عرفت من خلال موقع (اللجنة القضائية العليا للانتخابات) على شبكة الإنترنت أن لجنتي تقع في مدرسة أحمد زويل الإعدادية للبنات بشارع المدارس بمدينة التحرير بإمبابة ،كان المكان مجهولاً بالنسبة لي، ولم يستطع الجيران أن يدلوني عليه،
إلى أن قادني الأسطى جابر كهربائي السيارات إلى مجموعة من الأشخاص كانوا يقفون في نهاية الشارع تفضلوا بشرح خريطة طريق تقودني إلى المكان، وقدت سيارتي طبقا لهذه الخريطة إلى أن وصلت إلى مدينة التحرير وسألت بعض المارة عن شارع المدارس ومدرسة أحمد زويل، وتطوع اثنان كانا في طريقهما للإدلاء بصوتيهما في نفس المدرسة باصطحابي إليها، وقفت في نهاية طابور طويل أمام المدرسة، إلى أن قال لي أحد المارة «لماذا تقف في هذا الطابور الطويل، كبار السن يدخلون مباشرة إلى الداخل» .وأكد قوله الواقفون خلفي في الطابور، تركت الصف وتوجهت مباشرة لباب المدرسة فطلب مني جندي القوات المسلحة الذي يقف أمام الباب إبراز بطاقة الرقم القومي، وبمجرد اطلاعه عليها قال لي بأدب جم وابتسامة تفضل، و بمجرد دخولي إلى فناء المدرسة سألني ضابط شرطة عن رقم اللجنة التي سأدلي فيها بصوتي، ثم أشار إلى موقعها في الدور الأخير من مبنى المدرسة، أمام اللجنة وجدت صفا لا يتجاوز عشرة أشخاص وقفت في نهايته، كان الناس يتبادلون الحديث في ود ظاهر وكأنهم أصدقاء أو معارف قدامى، وكلهم سعداء بالمشاركة في الانتخابات، وأغلبهم يؤكد أنها المرة الأولى التي يدلي فيها بصوته، لم يستغرق الأمر أكثر من 15 دقيقة غادرت بعدها المدرسة، لفت نظري خلال هذه الرحلة تعرف عدد من المواطنين في الطابور على شخصي، البعض قال إنه شاهدني في التليفزيون ولم يعرف الاسم أو العمل، وآخرون تعرفوا عليّ بالاسم وثالث قال أنت من التجمع وسألني عن الاسم، والجميع عرفني من ظهوري أحيانا على شاشة التليفزيون.في طريق العودة من اللجنة كنت أحدث نفسي عما فعلته ثورة 25 يناير 2011 في مصر وناسها، هذا الإقبال غير المسبوق على ممارسة الحق الانتخابي، الوقوف بنظام وأحيانا لساعات في الطابور انتظارا للإدلاء بالصوت دون أن يحاول أحد تخطي الدور، وفي الوقت نفسه حرص الناس على تقدم المرضى أو كبار السن، وروح الود السائدة بين الواقفين والتطلع بأمل للمستقبل.في اليوم التالي وحتى الآن عانيت وغيري من المصريين من صورة أخرى محبطة، تناقض هذه الصورة المشرقة لمصر 25 يناير، صورة الدماء التي سالت أمام مجلس الوزراء وتساقط الشهداء والعنف الذي مارسته قوات الشرطة العسكرية في فض الاعتصام، ومطاردة الشباب في الشوارع الجانبية، لم أتابع هذه الصورة من خلال القنوات الفضائية فقط، بل شاهدتها بنفسي من شرفة حزب التجمع يوم السبت الماضي عندما طاردت القوات المسلحة المعتصمين حتى ميدان طلعت حرب أمام حزب التجمع، وسمعت صوت الطلقات، وأسوأ من هذا شاهدت النار تلتهم جزءا غاليا من تاريخ مصر كان حيا ومحفوظا في المجمع العلمي والجمعية الجغرافية، واستشهاد 10 مواطنين وإصابة 494 وإحراق 200 ألف كتاب، وتكرر إصدار البيانات الرسمية التي تنفي إطلاق الجيش النيران ضد المعتصمين ونسبة جرائم القتل والإصابة بالرصاص والخرطوش إلى قوة ثالثة تكرر الحديث عنها في أحداث سابقة دون كشف هويتها، مما دفع بعض الشباب على المواقع الإلكترونية للسخرية من كثرة حديث الحكام عن القوة الثالثة فقالوا إنها كائنات فضائية تهبط من السماء لتقتل وتحرق ثم تصعد ثانية دون أن يراها أحد!ولم يعد الاكتفاء بمتابعة وتحليل هذه الجرائم والأحداث وإدانة المتسببين فيها من هذا الجانب أو ذاك ممكنا، فقد أصبح واضحا أن هناك خطأ جوهريا في إدارة شؤون البلاد التي يتولاها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بل ينفرد بها، فتكرار هذه الأحداث والجرائم وسقوط الشهداء ونزيف الدم، والقرارات الخاطئة، والفجوة التي تتسع يوما بعد يوم بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة والأحزاب والقوى السياسية الديمقراطية وقبل ذلك مع شباب ثورة 25 يناير، أمر يهدد أهداف الثورة، وتطلع الشعب المصري للتحول من الاستبداد إلى الديمقراطية ومن احتكار قلة للثروة وسيادة الاستغلال إلى العمل الاجتماعي والقضاء على الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي.وهو أمر يحتاج إلى حوار مباشر بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة وحكومته والأحزاب والقوى السياسية والنقابات لتصحيح المسار وحماية الثورة التي تجري تصفيتها الآن.
صورتان لمصر
نشر في: 20 ديسمبر, 2011: 10:45 م