علي حسين مابين الظهور الميلودرامي للواء عادل دحام وهو يلوح للعراقيين بمذكرة الاعتقال التي وقعها حسب قوله خمسة قضاة، وبين إصدار مجلس القضاء الأعلى قراره أمس والذي سيتم بموجبه إعادة التحقيق في قضية طارق الهاشمي، بين هذين التاريخين حصلت أشياء كثيرة هزت وجدان العراقيين فقد أطبق الموت على عشرات الأبرياء بسبب أعمال العنف، وتوقف البرلمان عن عمله وساد الوجوم، وجوه الناس وهي تترقب ما الذي سيحصل، وانشق الحلفاء السياسيون ليعيدوا العراق إلى مرحلة التأزم الطائفي..
قد لا أكون ضليعا في القانون، ولكنني اعرف مثل غيري من المواطنين أن التلويح بأوراق قضائية وبهذا الشكل الخطير يجب أن يتم بعد أن يثبت لدى الجميع أنه لا خيار غير ذلك وبعد أن يتيقن أصحاب القرار أن لا عودة للوراء وان القرار قد استوفى كل شروطه ولا مجال للمساومة او التنازل، عندها فقط يدرك المواطن انه يعيش في ظل نظام يحترم القانون الذي يقف الجميع أمامه سواسية فلا فرق بين نائب الرئيس وابسط مواطن، فما الذي حصل حتى يكتشف المواطن المغلوب على أمره أن المذكرة التي لوح بها اللواء دحام لم تصدر من خمسة قضاة، وان العدالة تتطلب اعادة النظر في أوراق القضية.الذي حصل ان الحكومة أرادت ان توهم الناس بأنها ستضعهم أمام اختبار حقيقي لسلطة القانون لكنها في الحقيقة داست القانون بأقدامها، فإذا كان المتهمون قد ارتكبوا جرائم ضد المجتمع فان ما جرى بعد ذلك لا يقل إثما وجرما، ذلك انه تم السماح لعشرات السياسيين بافتراس القانون والتهامه والمتاجرة به، وأظن أن احدا لا يختلف على أن ابسط قواعد العدالة تقتضي بأن يأخذ كل مخطئ عقابه بالقانون، لكن الذي حدث أن القانون عوقب باللعب فيه على مرأى ومسمع من العراقيين جميعا. السؤال الآن؛ هل انتهكت الحكومة قواعد القانون بالسماح للسيد دحام بأن يلوح بمذكرة القضاء والتي كان من المفترض أن يعلنها القضاء بنفسه، الإجابة نجدها حتما في التراجع الذي حصل وفي محاولة الحكومة لملمة القضية بأقل الخسائر السياسية الممكنة، أما الخسائر البشرية فلا يهم لان الذين فجروا لم يستطيعوا أن يحققوا غايتهم حسب قول السيد قاسم عطا الذي اكتفى بان ينهي حديثه بمقولته التاريخية: الوضع تحت السيطرة، ولنكتشف بعد ذلك أن هذه القوى الإرهابية ما هي إلا أربعة ضباط أمنيين كبار مثلما اخبرنا رئيس الوزراء.ما حدث في الأيام الماضية يثبت بالدليل القاطع إننا أمام حالة انتقائية صارخة في التعامل مع القانون الذي يشهرونه في وجوهنا طوال الوقت إذا قلنا بان الحكومة مقصرة في واجباتها تجاه الناس وإنها تسير في طريق العدم بأقصى سرعة منذ سنوات دون أن تتحرك فيها ملفات مهمة مثل الخدمات والأمن والتعليم.المفترض إن الحكومة أنجزت كل إجراءاتها القضائية قبل أن تسمح لقاسم عطا وعادل دحام بان يصولا صولتهم الجهادية علينا، والمفروض أيضا أن القانون هو المحدد لكل التحركات والإجراءات التي تقوم بها الحكومة، لكن يبدو أن البعض أراد للدولة أن تتخلى عن دورها في أن تكون حكما بين الناس ليحولها إلى لاعب وجمهور في الوقت نفسه.قرار مجلس القضاء الأخير يضيف تأكيدا جديدا على حالة العشوائية التي تسيطر على صناعة القرارات الحكومية، ويكشف لنا أننا أمام نوع جديد من الصراع السياسي ستكون فيه مبادئ القانون والعدالة سلعة يطرحها البعض عند اللزوم، لكنه في أحيان أخرى يعترف بأخطاء وعيوب فيها فيضطر، إلى سحبها من الأسواق. للأسف لقد وضع العراقيون أمام مأزق شديد الخطورة، لأن السيد المالكي ومعه مقربون لم يستمعوا لأصوات محترمة طالبت بأن تعالج القضية بعيدا عن الإعلام وخطب قاسم عطا الثورية.غدا سيكتشف الناس إن الذين أصروا على أن القضية محسومة قضائيا ولا مكان للمناقشة فيها هم أنفسهم من سيخرج علينا ليعتبر الاعتراض على قرار مجلس القضاء الأعلى الأخير خيانة عظمى لإرادة الجماهير التي لن تمل من الهتاف بحياة السيد قاسم عطا الذي اكتشف أن التفجيرات الأخيرة فشلت لأنها لم تستهدف مواقع حيوية.. فحياة الأبرياء ليست من السلع الحيوية.
العمود الثامن..القانون عندما يركبه عطا ودحام

نشر في: 25 ديسمبر, 2011: 10:02 م