محمد ناجيكالعادة ، في دوّامة الأزمات المتنوعة التي يفتعلها أصحاب القرار ، ينقسم الشارع العراقي ، على أساس عاطفي بين هذا الطرف أو ذاك . وهو ، الشارع ، البعيد والمستبعد عن مقدمات الأزمات ونهاياتها وتفاصيلها ولا مصلحة له فيها ، إلا أنه دائماً يحصد نتائجها المدمرة ، ويدفع ثمنها من دماء أبنائه وفرص تقدمه .
فالمشاركون في (العملية السياسية) لا يفكرون أبعد من مصالحهم الشخصية ، وهذا ما أثبتوه بمواقفهم وقراراتهم التي يفصلونها على مقاييسهم الخاصة ، على مختلف المستويات في المؤسسات والمناسبات ، وعلى مدى سنوات المشاركة في تقاسم السلطة والنفوذ والثروة . ولا يخدع إلا نفسه من يتحدث عن وجود قانون ودستور محترم في (العراق الجديد) . وهم بحد ذاتهم ، ونظام المحاصصة القومية والدينية والطائفية يمثلون علة العلل في العراق ما بعد دكتاتورية صدام. وتوافقهم وخلافهم لايقوم على أساس مصلحة المواطن والوطن ولا علاقة له بمنطق سياسي أو قانوني أو أخلاقي، بل تتحكم به وتحركه العاطفة والانفعال والنزق والمصلحة الشخصية والفئوية الضيقة، ولذا يستمر العراق يتخبط في دوامة الأزمات، التي يستحيل على أي متابع ومحلل سياسي مهما امتلك من خبرة ونباهة أن يتوقع بدايتها أو نهايتها، فكل ذلك خاضع للأهواء والأمزجة الشخصية، والتي يصعب الدراية والتحكم بها، ولا يعلم مداها إلا الله.وما هو شائع ويعرفه ويلمسه المواطن العادي يوميا ، إن الإرهاب والفساد وانتهاك الحقوق عام وشامل من قِبل من يمسك بسلطة الأجهزة الأمنية، أو من لديه حمايته وأجهزته وميليشياته الخاصة، وهذا أيضا ما ذكرته تقارير المنظمات الدولية وماكشفته الوثائق التي نشرتها ويكيليكس ، وبعضه مذكور فيما أصدرته مؤسسات الدولة العراقية نفسها. ومعروف أيضا ويردد بأكثر من لغة ولسان إن ما يجري من عمليات إرهابية واغتيالات هي تصفية حسابات بين أطراف السلطة ذاتها . كما إن لكل طرف – مع امتداده وعلاقاته خارج الحدود – أجهزته الدعائية، التي تمارس شحناً قوميا وطائفيا وفئوياً مقيتا وخطيراً، فيه تضليل وتسطيح لعقول الناس بما يشغلهم بقضايا يسهل معها تمرير وتبرير مواقفه ومصالحه وإدعائه بتمثيل فئة معينة، أو التسويف والتنصل عن الوعود السابقة بالأمن والأمان والتنمية والإعمار. ومع هذا، سمعنا السيد نوري المالكي اليوم، وهو أحد أطراف نظام المحاصصة، الذي طالما تبجّح وأتباعه بإنجاز ما يسمى المشاركة السياسية وقيادته لـ(حكومة الوحدة الوطنية)، وهو يدور بزاوية 180 درجة، حين يخرج على الناس فجأة ويعلن أن أحد أطراف المشاركة وحكومة الوحدة الوطنية متهم بالإرهاب، وأن لديه وثائق ضده منذ 3 سنوات ، كما لديه وثائق ضد آخرين يحتفظ بها في الوقت الحاضر، فما عدا مما بدا ؟ كذلك، كما أن لا اعتراض على اتهام طارق الهاشمي ومن معه، رغم تأخره، ويمكن في أكثر من قضية، فهناك أكثر من اتهام يوجه للمالكي وغيره وحتى قبل هذا وذاك ، ومنذ اليوم الثاني لدخول الأميركان إلى النجف بالتحديد، وبعضهم من معسكر المالكي والتحالف الوطني، وصدرت بحقهم مذكرات توقيف بل دعوى قضائية، تم لفلفتها! فلماذا الإصرار هنا واللفلفة والطمطمة هناك ؟ أليس هذا دليل آخر على أن في العراق مهزلة – وهو ما كتبته في رسالة مفتوحة وجهتها لرئيس القائمة العراقية – وأن القانون والدستور ليس أكثر من تفصيل شكلي ضمن الديكور الديمقراطي؟ نعم ! لسيادة الدستور والقضاء المستقل والقانون فوق الجميع ، من دون استثناء، ومعها ما صدر من مذكرات وأحكام لمحاكم علنية بحق مدانين، وهو ما يطالب به الناس ، وما نطالب به وندعو إليه، ولكن على أرض الواقع لا يساورنا الشك بأن هذا مطلب بعيد المنال ، ولا يمكن أن يحققه المالكي، ولا غيره من النخب السياسية الحاكمة اليوم، وما يجري هو تصفية حسابات ومصالح ، في دورة جديدة من دوامة الأزمة العراقية ، غير محسوبة النتائج، رغم خطورتها ، ومجرد كلمات ورفع لشعارات، لخداع الناس وتضليلهم، كما رفع القرآن من قبل ... على رؤوس الرماح !
العراق.. المهزلة برائحة الدم!
نشر في: 26 ديسمبر, 2011: 07:20 م