علي حسن الفوازالذهاب إلى الدولة الجديدة يعني الذهاب إلى مرحلة ما بعد تاريخ الجماعات العراقية التي عاشت مرحلة ما قبل الدولة، إذ ظل هاجس وجود الدولة بمواصفاتها التأسيسية سؤال رهابها الأكبر، وبوابات الجحيم المشرعة لجدلها الإسقاطي الذي استقطب لمداره الكثير من الصراعات والأزمات، مثلما اصطنع له غابة من الخنادق التي استوطنها محاربون ومثقفون وفقهاء وعقائديون ورجال دين ومنظرو أدلجات من اليمين واليسار.
سؤال الدولة يطرح اليوم بقوة، وربما هو أكثر الأسئلة حضورا ورعبا. ورغم كل الصراعات المعقدة التي تعيشها الجماعات السياسية العراقية بمختلف مكوناتها، فان البحث عن تعقيدات إجرائية لما يتعالق مع سؤال الدولة، ظل هو الفكرة التي مازال يختلف عليها فرقاء(أزمة السياسة العراقية) وقوفا عند عتبات هويتها ومرجعياتها وتوصيفاتها، خاصة ان هذه الدولة تشبه توصيفيا ملامح مشروع الدولة الأولى عام 1921 إذ خرج كلاهما من فضاء احتلالات سياسية عسكرية، وفضاء مهيمنات عميقة الأثر في الذاكرة العراقية تركها(العثمانيون) المتخلفون والبيروقراطيون في إدارتهم الدولة وولاياتها، والذي منع تأسيس أي مشروع حقيقي للتعليم والعمران والثقافة والعدالة الاجتماعية والاقتصاد وحتى (دولنة) الوعي العراقي، إذ أن الوعي العراقي خرج من مرحلة العثمنة بلا دولة، ودخل مرحلة الاحتلال الانكليزي برغبة حميمية لصناعة الدولة..سؤال الدولة هو هاجس وطني قاس ومرير، ولعل مرارته تكمن في ما يتعلق بكيفية تأصيل هذه الدولة بمواصفات مغايرة ومفارقة، وعلى وفق منظور يلغي التبعية القديمة لمفهوم الحاكم والمحكوم، ومفهوم الشرعنة والمرجعية والهوية، إذ أن هذه المغايرة ستجعل دولة 2003 لاتشبه دولة 1921 بالرغم من التشابهات التي تحدثنا عنها، وتحديد مسارات هذه الدولة يختلف أيضا عن طبائع مسارات الدولة القديمة التي سرعان ما تحولت إلى دولة مهيمنة لقوى معينة على حساب قوى أخرى، ومواطنة فائقة على حساب مواطنة تابعة، وحاكمية خنادق على حساب خنادق أخرى. وأحسب أن مراجعة هذه التاريخ_تاريخ الأزمة_ هو واحد من ابرز إشكالات سيرورة الدولة الجديدة التي تكشف في جوهر أزمتها عن عمق الجرح النرجسي في العقل السياسي والعقل الطائفي العراقيين، لأن استغوارات هذا العقل ظلت مغلولة كثيرا إلى الفهم التاريخي القاصر الذي واكب الدولة توصيفا ومرجعية محددة وقارّة. وهذا ما يفترض اليوم مجموعة من المراجعات الأكثر معنية وموضوعية والتي يمكنها أن تمارس نوعا من التطهير الأخلاقي والمواطني لمرجعيات فكرة الدولة، ونوعا من التعقيم القيمي لمواجهة(مراضاة)اصطنعها العقل الدولتي القديم، عقله السلطة الأبوي والعصابي والذي لم تحرر منه لحد الآن.الكثير من الجماعات التي تنظر للدولة على أنها(تاريخ)محدد، وليس نظاما قابلا للتغاير والإزاحة والخضوع إلى قوانين الإنسان ذاته بوصفها الكائن المتحول والبرغماتي واللاتاريخي...إزاء هذه المعطيات، وإزاء عقدة تاريخ مازال نائما بالجوار، وإزاء سيرورات قوى جديدة خرجت عن عزلة الجبّ القديم، كيف يمكن النظر إلى فرضية الدولة؟ وكيف هي الاستعدادات التي يمكن أن نتعاطى بها مع وعي تفاعلي جديد بات ينظر بمسؤولية لطبائع القوة والعلائقية وتعالقاتها مع هذه الدولة، الدولة المؤسسية التي تملك أهلية إعادة قراءة التباسات السلطة والمجتمع والخطاب الديني ومنظور والحقوق وهيمنة المحتسب والأمن وغيرها؟rnثقافة الدولة..سيرورة الدولة ثقافة الدولة بوصفها مركبا من الإجراءات تحتاج إلى وعي هذه الدولة وإدراك ضرورتها وواقعيتها أولا، وإدراك أن سيرورتها الجديدة خرجت من تاريخ الطبيعة التي صنعتها الجماعات إلى تاريخ الثقافة التي باتت تصنعها قوى جديدة لها معطيات سسيوثورية أكثر تمردا على التاريخ العائلي القديم. فضلا عن إدراك أهمية أن تكون هذه الدولة تملك شروطا أكثر عقلانية وواقعية في التعبير عن منظور جديد لتأسيس تاريخ جديد، وعن الإحساس العميق بضرورة تجاوز الكثير من الصعاب والتحديات التي علقت بتاريخ الأزمة، وتحرير فكرة هذه الدولة من سرديات طويلة ارتبطت بنمطية الدولة العائلية المقدسة وأرخنتها القاسية، وتعقيدات انهيارها تحت عوامل الاحتلالات والاستبدادات والحروب. وإذا كان مفهوم الدولة تاريخيا يتطلب وجود الأرض والشعب، فان التفاعل بين الشعب والأرض هو العنصر الثالث الذي يستحق التأصيل في تشكيل أسس هذه الدولة، إذ يكون التفاعل مصدرا مولدا لإنتاج القوى السياسية والاقتصادية التي تدرك أهمية أن تكون الدولة عنوانا للعيش المشترك بين جماعات خارجة من العقد والمهيمنات، ولإنتاج مظاهر إنسانية وحقوقية تعبّر عن قناعة هذه الجماعات بسياق الدولة وهويتها وعمقها الإنساني..اليوم تواجه ظاهرة الدولة الجديدة بوصفها سؤالا في الوجود الكثير من التحديات الداخلية والخارجية، والتي تضع هذه الدولة أمام رهانات صعبة، رهانات لاختبار قوة هذه الدولة، ولاختبار الجماعات والنخب الجديدة في التعاطي مع ضرورة الدولة وأزمتها، ومع استحقاقاتها التاريخية والقانونية والسياسية.البعض من السياسيين المحسوبين على فرضية التاريخ لم يتخلص للأسف من عقدة الماضي، ومن عقدة الاستلابات القديمة، إذ مازال هذا البعض يضع الكثير من المصدات أمام أية فرصة لنشوء إنتاج مشروع الدو
سؤال الدولة العراقية- محنة التاريخ ورهاب الوجود
نشر في: 26 ديسمبر, 2011: 07:23 م