TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > الافتتاحية:السـيـاسة ليست كلّها لعباً..على الحبــال علـى المالـكـي أن يتذكّــر

الافتتاحية:السـيـاسة ليست كلّها لعباً..على الحبــال علـى المالـكـي أن يتذكّــر

نشر في: 12 ديسمبر, 2012: 02:37 م

فخري كريم

يرى البعض في السياسة انفلاتاً أخلاقياً بلا حدود، حتى أن هذا البعض يرى أن السياسة لا أخلاق لها ولا قيم. فالوسائل مهما كانت فاسدة أو معيبةً تجد تبريراً لها فيما يريد السياسي بلوغه من أهدافٍ،

وهي الأخرى لا أهمية لتوصيفها إن كانت لخير الآخرين أو لتطويق رقابهم واستعبادهم واستغلالهم والحط من أقدارهم .

لكن السياسة من وجهة نظر ايجابية إنما هي قيمٌ تستشرف الأبعاد الإنسانية وتتوق إلى التقدم والتغيير والسعي لخلق مجتمعٍ ينعم بالحرية والرخاء والكرامة وكل ما هو هدف نبيل. 

والإمام علي رفض بإصرار أن يُبادل ما بدا له قيماً جُبِلَ عليها، بنصر سياسي محكوم بفساد الوسيلة على حساب المبادئ، مع إدراكه أن القبول بالنصيحة وسيلة لكسر شوكة معاوية وتكريسٌ لخلافته وتجنبٌ لمحن رأى بفراسته الإنسانية ومعرفته العميقة أنها حتمية لا ريب فيها. رفض الامام علي ان يهادن معاوية ليبقيه والياً على الشام ولو لساعة، كما قال، ما دام في هذا البقاء معصية وتهاون في الدين!

لكن بعض ساستنا أو جلهم يرون خلاف ذلك، وهم يغوصون في مهاوي السياسة الفاسدة التي تدر عليهم المكاسب والمغانم، ولو على حساب ما يدعون من تمسكٍ بأذيال الفضيلة ونعم الإيمان والتقوى، ولو على الضد من مأثرة الامام الحسين التي اصبحت بهول فاجعتها إضاءةً إنسانيةً، وهو الذي ضحى بدنياه لصالح من رأى فيهم هدف التنزيل الرحيم .

ومن بعض هؤلاء السياسيين من استولى على إرادة شعبنا في ظرف ملتبسٍ، بالخديعة التي تجيزها السياسة الفاسدة، من وجهة نظرهم، وتَبيّن أنهم يرون في الوسيلة مهما "وُضعت" صنفاً مقبولاً لا خشية منها، حتى وان اقترنت بقسمٍ على القرآن الكريم، ما دامت "الكفارة" مجرد إطعام عشرة يتامى أو من خلق الله الجائعين .!

لقد اكتشف الناس في العراق الجديد أن لبوس الدين الحنيف بوجوهها الطائفية والمذهبية أصبحت تجارة وتسلطاً، وان هذه التجارة رِبىً لم يحرمها كتاب الله في عرفهم إذ لم ترد في منظومته القيمية، وإنها تحمي السلطان الجائر وتُعمي الأبصار عن تعّدياته وسرقاته وفساد حاشيته وبهتان ضميره، مادام يقيم الصلاة في أوقاتها ولو على حساب مصالح الناس وأوقاتهم المدفوعة الأجر، ويؤدي الزكاة ولو من بيت المال المستولى عليه.

ورغم الفضائح التي لا تنتهي في سير الحكومة والخروقات التي يمارسها الرهط الحاكم، تجاوزاً على الدستور ومبادئه، فإن المواطنين ظلوا متشبثين بتفاؤل حذر من بارقة أمل وخلاصٍ مما يتربص بهم من مخاطر وتداعيات الهوس الذي يستولى على سلاطينهم وما تنطوي عليه غريزة الغنيمة الحرام في نفوسهم التي تكاد توحي بمرضٍ نفسي تستدعي "الحجر" حماية لأمن البلاد ومصالحها العليا . 

إن سيل التصريحات والمواقف التي يطلقها السيد المالكي كل يوم وعلى مدار الساعة، توحي بخُبال السياسة العامة للبلاد وتهوّر قيادتها ونزوعها نحو كل ما يجعل يوم الناس أفضل من غدهم، لكثرة احتمالات الانحدار بالبلاد وتدهورها. ومن بين تصريحاته الكثيرة التي تذكرنا "دون مقارنة كاملة" بإطلالة الدكتاتور على الشاشات العراقية وفي صدر الصفحات الأولى من الصحف، وبين قادة العشائر ورجال الدين وفي كل المناسبات دون استثناء. ومع مرور الأيام أصبحت "الأنا" الصدامية حاضرة في ذاكرتنا ومحبطة لآمالنا، كما أن ترديد التمسك بالدستور والقانون وحرمة الدولة، هي الأخرى استوت مع ما بدا في أخريات أيام صدام، تماهياً فظاً لتوحد الدولة بالزعيم ومختار العصر الزائف . 

ويبدو أن المالكي يتوهم بالقدرة على العبث بذاكرتنا نحن الشهود على ضياع البلد، بالتورط في تسلله الى ولاية ثانية والخُدع التي مارسها مع الجميع ليتم له ما أراد، بتعهداتٍ مكتوبةٍ وشفاهيةٍ وقسمٍ وادعاءاتٍ، ظل البعض منها حتى فترة قريبة، مساحة للتخدير مرت بحسن نية على من أحسنوا إليه ودافعوا عنه وجنبوا كرسيه المشبوه الضياع .

لكن السياسة من وجهة نظرنا، ليست كما يراه هو، فالقيم التي نعتمدها في التعامل، هي مبادئ والتزامات أخلاقية وحفظ للمستور. لكن محاولة المالكي الأخيرة العبث بالنسيج الوطني والسعي لدس الخديعة بين المكونات العراقية، عرباً وكرداً وتركماناً وشعاع أطيافهم الأخرى استهدافاً لكسب انتخابي مبتذل، تجعل من إماطة اللثام عن بعض نزعاته المريبة فرضاً لا ينبغي حجبه.

لقد ادعى المالكي، وهو ينعى التحالف بين الكرد والعرب، بتفسيره المقصود بشبهته انها كانت استهدافاً للسنة، وقد انتهى هذا الاستهداف، من وجهة نظره، والقصد السياسي اليوم، بناء الدولة ووقف استباحة الدستور! ولا يختلف المالكي في اساليب الفرقة التي يمارسها بكل تفاصيلها عما فعلته الدكتاتوريات التي تعاقبت على العراق المبتلى. وتظل الذاكرة السياسية تستعيد ما فعلته الأنظمة الجائرة بالتلاعب على القوى السياسية وضرب الواحدة بالأخرى، وممارسة الخديعة ومختلف أشكال الإغراء والتوعد والإرهاب وتسليط أشباه الرجال على المشهد اليومي، ممن يجيدون فن استرضاء الدكتاتور وتزيين صورته وتلميع مفاسده، وهو ما يفعله المالكي وحاشيته اليوم بامتياز .

إن الاضطرار لكشف بعض المستور من نهج المالكي الخطير على العملية السياسية الديمقراطية، إنما يأتي رداً على دعاواه باحتضانه للسنة، وحمايته لما بات يسميه خلافاً لما ورد في الدستور "بالمناطق المختلطة"، ومجابهته لتمدد إقليم كردستان، وهو ما فرض على تجاوز الالتزام بحفظ المستور واسترجاع ما قاله المالكي في لقاء جمعني به مع الرئيس، وهو لقاء من عدة لقاءات لتبادل الرأي والتداول في المسعى لإمرار ولايته الثانية، ويا لها من كبوةٍ لا اغفرها لنفسي، اذكره بالحرف وهو يقول موجهاً الكلام الى الرئيس بحضوري : 

" ان على الاخوة في الاقليم ان لا يضعوا المادة ١٤٠ شرطاً في الاتفاقيات، لانه ملزمٌ دستورياً ، ورغم انف الجميع لابد من تطبيقه، وسأفعل كل المطلوب لتحقيق ذلك في الولاية الثانية". ثم استطرد ، وهنا "مربط الفرس" الذي لا بد من اعتباره الأخطر في النهج السياسي الذي يريد المالكي إمراره في ظل غياب الوعي لدى أوساط غير قليلة، من القادة والناس، وانعدام الجرأة لدى قيادات وملوك طوائف: "إنني لا أرى في استعادة المناطق المستقطعة من كردستان مصلحة لناً وفرضاً علينا فحسب، بل انا اقول صراحة وصدقاً، ان علينا ان نعمل معاً لامتداد اقليم كردستان ليضم محافظة نينوى.!، لان هؤلاء -ويعني بهم أهل الموصل الحدباء - هم أعداء لنا، وسيظلون رغم كل شيء سنة وقومجية عربان، وملجأ للبعث والمتآمرين على حكمنا .! " 

هكذا قال المالكي بالحرف، كاشفاً عن دخيلته باعتباره مجرد حاكم عابث، لم يتراجع عن وجهته هذه، حتى بعد أن أوضح له الرئيس ان علينا أن نحفظ للإخوة السنة مواقعهم ودورهم في العملية السياسية، قائلاً له "ولا تنسى أبا إسراء أننا سنة أيضاً". ومن جانبي استدركت وقلت:"خلينا في كركوك ابو إسراء" !.

ومن المستور ما يفيض ..

وعسى أن تنفع الذكرى !

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 15

  1. المدقق

    لا اعلم ماهو سر اصرار السادة السياسيين من الاخوة الكرد على ضم كركوك والمناطق الاخرى الى اقليم كلردستان .. ولماذا هذا التشنج في مواقفهم عندما يكون النقاش حول كركوك ؟؟فهل ان ضمها الى اراضي الاقليم هو لاجل الانغصال بدولة مستقلة ؟ ام ان هناك مآرب اخرى ؟؟ ان ك

  2. علي

    و لماذا كنت ساكتا كل هذا الوقت؟

  3. رياض

    المشكلة ليست المالكي وحده!!!! بل ان كل سياسيي العراق اليوم يمارسون الخداع وفاسدين!!!!! مالذي دعى السيد فخري كريم لكشف المستور؟ لماذا تكلم الان بالذات؟ انك بسكوتك كل هذه السنوات(عامان تقريبا)مساهم في هذه الجرائم السياسية وللاسف لايعفيك فضح المالكي من المسؤ

  4. حسام

    كلما استمع لخطابات المالكى لاادرى كيف تعيدنى الذاكرةلعام 1979 واتذكر واقعة قاعدة الخلد واتسائل مع نفسى متى يعيدها المالكى مرة اخرى ليقول لنا كما قال صدام انا الفارس الاوحد والسيف الاوحد وكفى

  5. حسام

    كلما استمع لخطابات المالكى لاادرى كيف تعيدنى الذاكرةلعام 1979 واتذكر واقعة قاعدة الخلد واتسائل مع نفسى متى يعيدها المالكى مرة اخرى ليقول لنا كما قال صدام انا الفارس الاوحد والسيف الاوحد وكفى

  6. عراقي

    يعني كلكم مو عراقيين ولاتحملون اي سمة من الوطنية لكي تدافعوا على شرف هذا البلد المسكين...اني لا اهتم بالاسماء مالكي وبرزاني او الطلباني...اني ارى سياستهم...المتمثله بالتحالف الشيعي الكردي...هذا تحالف بين السياسيين وليس بين الشعبين...لان اصلا لا يوجد شعبين

  7. الحسني

    شكرا يا سيد كريم حقيقة صوتك صوت الشعب العراقي المسكين الذي لم يقدم المالكي الا الكلام والفساد احس اني كانه صدام نفس البطانه التي كانت حول صدام هي حول المالكي وهناك اريد ان انبهك هي هل شبكة الاعلام العراقي تابعه لحزب الدعوه ام هيمستقله لان كل اطروحاتها ت

  8. ابن العراق

    يمعودين قسمو العراق وخل نرتاح احسن شمحصلين غير الحروب0000000000000000000000000000000

  9. محمد الخزعلي

    أنا أسف لهذا الكلام ان صح ولكن ياسيد فخري اتمنى ان لا تبتغي من وراء هذا. الكلام استحصال. كسب راى عام اهل السنة او اي جهة اخرى. واما المالكي فانا الحقيقة لم ينفعني بشي ولحد الان عاطل عن العمل ولكن أنا ابتغي بطرحك الحق وليس جزء من الحق وان كان المالكي هو ال

  10. عراقي موصلي

    بإيجاز أقول: العراق عراق بعربه وكرده وأقلياته المتآخية لا بتحالف كتلة أحزاب تقوم على مذهب ديني ذي ميول صفوية وأخرى تقوم على اتجاه عِرقي متعصب ولها أطماع توسعية بانت بعد الاحتلال.... وبإيجاز: كركوك عراقية بمختلف قوميات سكانها ولا علاقة لها بكردستان العراق

  11. د.علي -النروج

    ماذا تتوقعون من شخص تأمروخان وأنقلب على سيده ليكون هو رئيس حزب الدعوة..مامدى مصداقية شخص وضع يده اليمنى على القرأن أمام الملأ ومرتين ليكون مطبقأوملتزمأ بالدستورفكفروكذب..مامدى وطنية وقومية شخص أرسل خيرة شباب وشيوخ السنة العرب الى المنفى كالسادة الضاري وال

  12. حسين الجبوري

    نشكر السيد فخري على هذه المقالة القيمة وهذا مانحن نعرفه عن الحقد على أهل السنة والجماعة وإثارة النعرة القومية لتفريقهم واضعافهم وسيعلم المالكي وعصبته أي منقلب ينقلبون

  13. خالد

    شكرا للاستاذ فخري كريم على كشف وجه الحقيقي للدكتاتورقادم الى عرش العراق ولاكن السؤال يفرض نفسه هل السيد مالكي اخذ العبرة من اسلافه الحكام العراق السابقين وماهومصيرهم ----- اذا اخذ الدروس والعبر فانصحه بالاستقالة فورا وتسليم السلطة الى شخص قرءالتاريخ

  14. أحمد

    ليس من جديد في هذا الكلام لمن ينظر في حال الوزارات، فقد جرى تصفية السنة والكرد في وزارة الدفاع ويشهد على ذلك بابكر زيباري الذي حوله المالكي الى جرجوبة، وتصفيات علي الاديب واضحة للاساتذة، واطباق السيطرة على قيادات العمليات وانشاء الالوية والافواج الدعوجية،

  15. kais raheem

    الستاذ فخري كريم ,انا لا استبعد من المالكي ان يقول كلاما كهذا و انت ان شاء الله صادق.اود ان اشير هنا الى ان السياسيين الكورد الان يتظلمون من حكومة طائفية خلاف ما اتفق عليه من بناء لدولة مدنية ,و لكن هل يعفي هذا السياسيين الكورد من المسؤولية التاريخية لت

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram