اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > نجيب المانع..قلق التعبير وجلد الذات 1-2

نجيب المانع..قلق التعبير وجلد الذات 1-2

نشر في: 27 ديسمبر, 2011: 07:07 م

علي الحسينيثمة سمة، يتسم بها معظم الذين يتركون خلفهم اثراً، له علاقة بالعملية الذهنية الطامعة بالجديد دوما، التي لا تنفك عن عرض كل المسلمات الكبرى، والمسائل اليقينية الى التشريح النقدي، مهما كانت اطر التقديس التي تختبئ خلفها.
تلك السمة، عادة ما تلازمهم منذ السنوات الاولى لتشكل وعيهم، وتبقى تلّح عليهم حتى آخر حضورهم "الجسدي". واعني بالسّمة تلك، دخولهم إلى عمق الدائرة الدينية، طمعا بالإجابة على التساؤلات الهائلة التي تشغلهم، وتقلقهم مُذْ بدايات نضجهم. وعند اكتشافهم عقم الإجابات المتوفرة يبدؤون بتشكيل منظومة وعي مغايرة، تساعدهم في ذلك معرفتهم بالمدونات الدينية التي قضوا معها/فيها سنوات، منقبين حافرين في المناطق المسكوت عنها.هناك نماذج كثيرة،، وعديدة ممن تركوا اثراً ثقافيا مهما، وكانوا قد مرّوا بالظاهرة الدينية، سواء في العراق او خارجه. فجميعهم خرجوا من الدائرة الدينية، بعد أن قضوا سنوات طويلة فيها/معها، ولم يكن خروجهم خروجا بطراً، بل صاحبه موقف نقدي مهم. فمعروف الرصافي -على سبيل المثل فقط- في كتابه المهم (الشخصية المحمدية) قدم لنا نموذجا واعيا، وعميقا في طرح السؤال النقدي الإشكالي الموصول بالمدونة التراثية.نجيب المانع، كان أيضا - في عقده الثاني- قد ولج تلك الدائرة، بالرغم انه لم يخبرنا عن تجربته هذه في مذكراته(عمر أكلته الحروف)، ولم يشر إليها في ما خلّفه لنا من كتابات. إلا أن أخته الروائية (سميرة المانع) تخبرنا: ان المسألة الدينية قد شغلته فترة الى حد الذوبان فيها. فمارس-نجيب المانع- الشعائر، وفرائض الطقوس، ومستحباتها، وأطلق لحيته، وقرأ المتون الأساسية، والشروحات، وخاض في التفاصيل املاً في الوصول الى القاع. ومارس ما يمارسه المتدينون فقد(نهر أخته الصغرى، يوما، وعمرها لا  يصل التسع سنوات، حين رآها واقفة أمام المرآة تهز كتفيها مقلدة راقصة مصرية اسمها تحية كاريوكا، أثارت إعجابها[....] أصبح متمسكا بأمور الدين بصورة دقيقة ملزمة. يؤم الصلاة في (جامع السيف) القريب من البيت الذي يسكن فيه، يقرأ القرآن. وكعادته في الإحاطة بكل موضوع يتعلق به روحيا، يريد أن يُلِمّ بكل تفاصيل الدين مدركا جوهره، وأهميته، وغايته بالأساس). "سميرة المانع: من المؤثرات الثقافية في نجيب المانع".ثم خرج من تلك الدائرة الى دائرة اليسار وبعد ذلك (بدأ نجيب يراجع، ويشك في كل ما كان يسمع، وما كان يرى. بذرة التشاؤم، ولدت، ونمتْ باطراد، لم يعد يصدق براءة الإنسان، وحسن طويته كما كان في السابق. صار يتابع أخبار الأشرار، الأنذال، المزورين، والظالمين على هذه الكرة). "سميرة المانع: المصدر نفسه"تكشف لنا هذه التحولات التي مر بها المانع عن شخصية متمردة رافضة الركون إلى الساكن، يشغلها هم التغيير، والمغايرة الفاعلة المنتجة. شخص يكره الكسل، والخمول. تميز بالجسارة منذ بواكير وعيه، وحتى مماته. وهو القائل: (كل الذين قدموا لنا رؤياهم الفريدة عن حقائق الحياة الجوهرية كانوا جسورين في التعبير) وهو احدهم بالتأكيد. فقد قدم لنا فتوحات كبيرة، والتماعات هائلة تتصل بعوالم مختلفة، وحقول متضاربة. وقد غطت وجهات نظره ميادين متنوعة كـ( الشعر، الرواية، المسرح، الكتابة، الصحافة، العلوم، التاريخ، الاجتماع، السياسة ووو..الخ). وعَبْر تلك العناوين، قدّم لنا خطوطا رئيسية لمشاريع نقدية، وفكرية تستحق التأمل، والكتابة عنها بإفاضة.آراؤه تُعد جسارة ونقدا قاسيا لمسائل أصابها الموات منذ سنوات طويلة، ومازالت في خمود. كما ان الكثير من أفكاره أثارت جدلا شديدا في زمانها، وهي كذلك ستثير آخرين في زماننا.نلمس عند(الراحل) مسؤولية ثقيلة تجاه الأفكار التي آمن بها أو التي أخضعها إلى المبضع النقدي كاشفا عن الأنساق المضمرة الكامنة في قيعانها. ومع كونه كذلك، لم يحظ نجيب المانع باهتمام كاف في الوسط الثقافي، والأدبي في العراق. بالرغم من أن له انفلاقات غاية في الأهمية، في حقول شائكة وفي مسائل مثيرة تعامى عنها الآخرون.صحيح أن منجز الراحل "المدون" الذي يضم آراءه، ووجهات نظره محدودا، لكن الرجل ترك لنا عشرين كتابا مترجما أو يزيد. إلاّ انه (وهذا مؤسف) ليس كافيا لضخ الروح في الوسط الثقافي العربي، وحتى العراقي لمتابعته. ربما لأنّ الذهنية الثقافية، والإبداعية العراقية، والعربية عامة لا تتعامل مع النص المترجم، كنص قائم بذاته يساوي او يقترب من النص المؤلَّف(بفتح اللام). فللمترجم نصه الذي يبنيه هو، ولا يُعد جهده المبذول جهدا ميكانيكيا، بل جهد ذهني وعقلي في أحيان كثيرة خصوصا في الميادين الإبداعية. ألمْ يُمِت مترجمون مؤلفات غاية في الأهمية، والمكانة بسبب سوء ترجماتهم لها؟. أليس هذا اعترافا بانّ الترجمة عمل ذهني قبل أن تكون آلية.في كتابه الأخير(جسارة التعبير) الصادر عن دار الشؤون الثقافية نتعرف الى فيض من الآراء، ووجهات نظر عميقة أدلى بها(الراحل) في حقول أدبية، وثقافية، ومعرفية، وحتى علمية لا تتسع المقالة لبيانها، وكشف اشراقاته المضيئة فيها. لكن ثمة مسألتين مهمتين شغلتا الكاتب الراحل، سواء في الإصدار الأخي

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram