حسين عبد الرازق بانتهاء المرحلة الثانية من انتخابات مجلس الشعب أصبح مؤكدا حصول حزب الحرية والعدالة «الإخوان المسلمون» على أغلبية المقاعد في مجلس الشعب «منفردا أو بالتحالف مع حزب النور السلفي»، وبالتالي أصبح التساؤل حول تشكيل الحزب للحكومة مع انعقاد المجلس يوم 23 يناير القادم مشروعا، فالديمقراطية تعني تولي الحزب الفائز في الانتخابات «أو التحالف الحزبي الحاصل على الأغلبية داخل مجلس الشعب»
تشكيل الحكومة، ولكن مصر لم تعرف هذه الممارسة الديمقراطية منذ بدء التعددية الحزبية المقيدة عام 1976. فدستور 1971 - دستور السادات - نص في المادة 137 على تولي رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية، ونصت المادة 141 على أن «يعين رئيس الجمهورية رئيس مجلس الوزراء ويعفيه من منصبه، ويكون تعيين نواب رئيس مجلس الوزراء والوزراء ونوابهم وإعفائهم من مناصبهم بقرار من رئيس الجمهورية بعد أخذ رأي رئيس مجلس الوزراء»، وبالتالي كان تشكيل الحكومة حقا مطلقا لرئيس الجمهورية ولا علاقة له بنتائج انتخابات مجلس الشعب وفوز حزب أو آخر في الانتخابات.ورغم وجود مواد أخرى في الدستور تعطي مجلس الشعب - وبالتالي حزب الأغلبية - سلطة الموافقة على سياسة الحكومة وبرنامجها أو رفضه وبالتالي إسقاط الحكومة وكذلك إمكانية سحب الثقة من الحكومة أو أحد وزرائها، طبقا للمواد 86 «إقرار السياسة العامة للدولة والخطة العامة للتنمية والموازنة العامة والرقابة على أعمال السلطة التنفيذية» و114 «إقرار الخطة العامة للتنمية» و126 «سحب الثقة من أحد نواب رئيس مجلس الوزراء أو أحد الوزراء أو نوابهم» و127 «سحب الثقة من الحكومة» و123 «استقالة الحكومة إذ لم يقر مجلس الشعب برنامج الوزارة».. إلا أن هذه النصوص كانت معطلة نتيجة لحقيقة أن النظام السياسي في مصر لم يكن قائما على تعددية حزبية حقيقية وإنما كان «نظام الحزب الواحد في قالب تعددي» وكان رئيس الجمهورية هو رئيس الحزب الحاكم، واحتفظ الحزب الحاكم «حزب الرئيس» بالأغلبية المطلقة بما تجاوز الثلثين دائما نتيجة لتزوير كل الانتخابات من 1976 تاريخ بدء التعددية الحزبية المقيدة وحتى انتخابات 2010.الغريب أن جوهر هذا الوضع استمر بعد ثورة 25 يناير وتولي «المجلس الأعلى للقوات المسلحة» إدارة شؤون البلاد، فالإعلان الدستوري - أو الدستور المؤقت على الأصح - الصادر في 30 مارس 2011 نص في المادة 56 على أن «يتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شؤون البلاد وله في سبيل ذلك مباشرة السلطات الآتية: ..» وأورد عشرة بنود منها بند رقم 1 «التشريع» وبند رقم 2 «إقرار السياسة العامة للدولة والموازنة العامة ومراقبة تنفيذها» وبند رقم 7 «تعيين رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم وإعفائهم من مناصبهم»، ونص في المادة 61 على أن «يستمر المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مباشرة الاختصاصات المحددة في هذا الإعلان وذلك لحين تولي كل من مجلسي الشعب والشورى لاختصاصاتهما، وحتى انتخاب رئيس الجمهورية ومباشرته مهام منصبة كل في حينه»، أي أن المجلس العسكري احتفظ بسلطات رئيس الجمهورية في دستور 1971 في تعيين وإعفاء رئيس الوزراء والوزراء ونوابهم حتى تخليه عن السلطة بعد انتخاب رئيس الجمهورية الذي حدد تاريخه أخيرا قبل نهاية يونيو 2012، رغم أن مجلس الشعب سينعقد في 23 يناير القادم!بل إن رئيس الجمهورية الجديد - ولحين صياغة الدستور والاستفتاء عليه - سيباشر طبقا للمادة 25 من الإعلان الدستوري جميع الاختصاصات المنصوص عليها في المادة 56 من هذا الإعلان ومن بينها «تعيين رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم وإعفائهم من مناصبهم»، دون اعتبار لوجود حزب أو تكتل نيابي حاصل على الأغلبية ويحق له - ديمقراطيا - تشكيل الحكومة، وسيزيد الطين بلة أن المواد التي كانت تعطي مجلس الشعب في دستور 1971 حق الموافقة أو رفض برنامج الحكومة وحق سحب الثقة من الحكومة أو أحد وزرائها، قد تم إسقاطها في الإعلان الدستوري، بما يؤكد أن مجلس الشعب القادم سيكون مجلساً محدود الصلاحيات، وأن انفراد رئيس الجمهورية بسلطة إصدار القرار السياسي والتنفيذي والإداري سيستمر حتى بعد الفترة الانتقالية. ومع ذلك فالإعلان الدستوري لا يمنع المجلس الأعلى للقوات المسلحة ورئيس الجمهورية الجديد من بعده من تكليف رئيس الحزب أو التحالف الحزبي الفائز في الانتخابات أو الحاصل على الأغلبية داخل مجلس الشعب نتيجة لتحالفات جديدة بتشكيل الحكومة واختيار وزرائه إعمالا لجوهر الممارسة الديمقراطية، فهل يفعلها المجلس الأعلى للقوات المسلحة أم يتمسك بنص الإعلان الدستوري الذي تولى هو صياغته وإصداره؟.. وهل يفعلها رئيس الجمهورية القادم وينحاز للديمقراطية أم يواصل طريق الرئيس الذي يملك كل السلطات في يديه؟! وبالتالي يستمر الاستبداد، ويصبح الرهان على تحول ديمقراطي بداية بانتخابات نزيهة لمجلس الشعب، مجرد رهان خاسر؟!
حكومة الرئيس.. أم حكومة المجلس؟!
نشر في: 28 ديسمبر, 2011: 07:22 م