TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > حكومة الشراكة وبرلمان المحاصصة.. إلـى أين يقودان العراق ؟

حكومة الشراكة وبرلمان المحاصصة.. إلـى أين يقودان العراق ؟

نشر في: 14 ديسمبر, 2012: 08:00 م

يبدو أن وضعنا صار أشبه بسفينة معطلة وسط بحر تحيط بها الأمواج، سقط شراعها المتهاوي. وكثرت فيها الثقوب التي أصابتها من قضايا الفساد الكثيرة التي وصلت كل مجال فيها ومعظم سياسييها. فبدت المياه تتدفق إلى داخلها بسبب سوء إدارتها وكثرة ربابنتها الفاسدين الذين باتوا يدفعون ملايين الدولارات لأتفه الأسباب. بعد أن كبرت ثرواتهم مثلما كبرت أرصدتهم في الخارج، حتى بات يشار للبعض منهم – هناك  - بالبنان لسرعة امتلاكهم هذه الملايين وشرائهم أفخم العقارات والقصور وحتى الجزر! بعد أن كان أكثرهم لا يملك مالاً لطعام يومه، فنسوا جوعهم وشعاراتهم التي رفعوها سابقاً.

والسفينة  ستغرق بمواطنيها فقط، فأغلب هؤلاء السياسيين أعدوا العدة لمغادرة البلاد، ولتغرق السفينة بمن فيها. فهذه ليست بلادهم ووجودهم هنا مجرد فرصة للكسب السريع فقط. لِمَ وصلت بنا الأمور إلى هذه الحال. ولِمَ تكشفت الوجوه وسقطت الأقنعة ووضعت الشعارات البراقة إلى جانب، ولم يعد لها من حاجة.

الشراكة التي بنيت عليها العملية السياسية هي نتيجة لمحاصصة مقيتة عمل الجميع على بنائها، وبات الخاسر الوحيد فيها الشعب المسكين الذي خرج من حكم فردي أذاقه المر والفقر لعقود أربعة، ليعيش في مأزق أكثر دموية. وأضاع فرصة لن تتكرر لخلق حياة تليق به مثل شعوب العالم الأخرى. تتوفر فيها ما يحتاجه من أمان وسكن وعمل.. لا غير، لا أن يمتلك ما يملكه مواطنو البلدان المجاورة التي لا تمتلك ما يمتلكه العراق من خيرات.. فما سبب هذه اللعنة التي حلت على العراقيين ؟

الجميع يذكر الوعود التي أطلقها السياسيون في بداية التغيير، والأحلام التي رسموها لعراق سوف يعيش فيه المواطن حياة تعوضه عن الماضي المر الطويل الذي عاشه سابقاً، لكن ذلك لم يكن إلا حلماً، بل وهم،  و خديعة وضحك على الذقون. شعارات وأحزاب وسياسيون ملأت صورهم جدران العراق. فلم يلق منها العراقيون سوى الجوع والخوف والقتل فمن أين أتى هؤلاء وكيف تجمعوا ؟

إنها لعنة الجهل.. والركض وراء الشعارات الزائفة، والتطرف الطائفي والعرقي والإثني، هذه الأمراض أضاعت علينا الفرصة! فما الذي حل بالعراق  لتصل به الأمور إلى هذا المنحدر؟ حتى باتت حياة المواطن مجرد أزمة تبدأ، ولا تنتهي، حتى تبدأ أزمة جديدة.. وهكذا.

الآن.. من ينقذ السفينة التي كثرت ثقوبها وامتلأت بالماء وسقط شراعها فلم يبق لها إلا الغرق وسط بحر لا يرحم الكسالى والمغفلين..

مضى على انتخابات 2010 – التي تمخضت عنها الشراكة هذه - السنوات الثلاث  شهدت البلاد خلالها أزمات كادت، وما زالت تكاد أن تؤدي بالعراق إلى خراب العملية السياسية. فقد بدأت بمحنة تشكيل الحكومة التي امتدت لثمانية أشهر من المفاوضات بين الكتل لتلد حكومة مشوهة لم تكتمل وزاراتها لحد هذه اللحظة، سميت بحكومة الشراكة، ضمت أكثر من 40 وزارة، كانت عبارة عن تقاسم غنيمة بين الشركاء. وبسبب حجمها الكبير لم تستطع أن تقوم بواجبها في تقديم الخدمات للشعب ومعالجة الأزمات التي كان يعيشها البلد.

وبعد تظاهرات جرت في جميع محافظات العراق، سقط من جرائها عدد من الشهداء واعتقل المئات.. كانت التظاهرات تطالب بإصلاح الحكومة التي عجزت عن الإيفاء بواجباتها رغم عدد وزرائها الكبير. وإيجاد حلول للأزمات الخانقة التي يعيشها البلد مثل: البطالة والسكن والكهرباء.،إضافة إلى عجز المؤسسات الأمنية في الحد من الهجمات الإرهابية التي كانت تستهدف الشعب والتي كانت تؤدي إلى خسائر كبيرة، كل يوم تقريباً.

وبسبب الضغط الشعبي الذي كان يطالب بإصلاح النظام ومحاسبة المفسدين، وبعد فترة المئة يوم التي وعد خلالها المالكي بإصلاح الشأن الحكومي، وانتهاء هذه الفترة دون تحقيق شيء يذكر، عمد إلى تقليص عدد أعضاء الحكومة ووعد أن يكون هذا التقليص هو الحل لأزمات البلاد. غير ان هذه الاجراءات لم تختلف عن سابقاتها، فالبطالة التي يعانيها الشباب وبالأخص خريجي الجامعات تفاقمت أكثر. وأزمة الكهرباء ازدادت الأموال المخصصة لها لكن المواطن لم يشعر بفرق في ساعات تزويدها له. كل تلك الفترة مع عجز الحكومة في كل المجالات  كانت هناك أزمات مستمرة تعصف بالحكومة، وبالعملية السياسية بشكل عام، سببها الخفي الصراع بين الشركاء لتحقيق مكاسب  لأحزابهم وجماعتهم، والمواطن هو الذي يدفع ثمن هذه الأزمات، بفقدانه لأمنه حتى سميت أيام الأسبوع بالأيام السوداء لضخامة عدد الضحايا الذين يسقطون في كل يوم إثر التفجيرات الإرهابية التي يتعرض لها البلد ومعاناته بسبب أزمة السكن الذي وصل حجم حاجة البلد إلى وحدات سكنية وبحسب الدراسات التي اعتمدتها وزارة  الإعمار والإسكان  في خطتها المرحلية والمستقبلية لمعالجة أزمة السكن وسد النقص الحاصل في الوحدات السكنية كان البلد بحاجة إلى ثلاثة ملايين وخمسمئة ألف وحدة سكنية على مدى عشر سنوات بواقع ثلاثمئة وخمسين ألف وحدة سكنية سنويا. مشيرة  -هذه الدراسة- إلى أن ذلك الرقم جاء اعتمادا على المجموعات الإحصائية السنوية لعامي 2005- 2006 للجهاز المركزي للإحصاء وتكنولوجيا المعلومات المعتمدة على نتائج الإحصاء السكاني لعام1997   .

وعن أزمة الكهرباء التي صرفت عليها مبالغ كبيرة قالت عضو لجنة النفط والطاقة النيابية عن / التحالف الوطني/ سوزان السعد، إن الحكومة صرفت على مشاريع الطاقة الكهربائية ما يقارب 27 مليار دولار، فيما أنفق المواطنون ما يقارب 80 مليار دولار على مدى  الـسنوات  الثماني الماضية ، وهذا يكفي لشراء أصول شركة "جنرال ألكترك" بكل فروعها وخطوطها الإنتاجية تغطي تكاليف نقلها إلى بادية السماوة,

وكانت عضو لجنة النزاهة النيابية عالية نصيف قد كشفت أن' المعلومات التي وصلتنا من المفتش العام لوزارة الكهرباء تؤكد وجود فساد مالي وإداري كبير جدا في وزارة الكهرباء وأن هناك مافيات تدير الفساد في وزارة الكهرباء. و كشفت عن عقود وهمية بالإضافة إلى أن أغلب العقود كانت تبرم فيها عمولة عالية' و صنفت لجنة النزاهة في تقرير لها وزارة الكهرباء من ضمن أربع وزارات هي الأكثر فسادا في العراق.

ويعود سبب هذه الإخفاقات التي ذكرناها إلى المحاصصة وأن جميع الشركاء يعملون على إفشال الحكومة في تقديم الخدمات. لذلك لم يعد من وجود لشراكة حقيقية بل أصبحت هذه الشراكة عبءاً يتحمل وجوده المواطن. بل أصبحت هذه الشراكة أزمة بحد ذاتها تعصف بالعملية السياسية وتقود إلى إفشالها، بعد أن عرقلت خلال هذه السنين الثلاث أي إنجاز ملموس للحكومة، برغم الموازنات الضخمة التي تخصص لعملها كل سنة.

أما على صعيد السلطة التشريعية  فقد فشل البرلمان في أداء الدور المهم له وهو مراقبة أداء الحكومة ومساءلتها وتصحيح مسارها، وبرغم العجز الحكومي.. لم يمارس البرلمان دوره الرقابي وكان عاجزاً عن محاسبة أو استجواب، أو الخروج بنتيجة للاستجوابات القليلة التي أجراها مع بعض الوزراء والمسؤولين، وكان دوره الرقابي ينشط عند إثارة الأزمات في ما بين الكتل، لكن سرعان ما تغلق القضايا التي تثار داخل البرلمان بعد أن تحصل تسويات بين الكتل المتنفذة.كذلك عجز البرلمان عن حماية الهيئات المستقلة التي تساهم في مراقبة العملية السياسية  والحفاظ عليها، لما تشكله هذه الهيئات المستقلة من رادع ورقيب للسلطات التنفيذية وعدم الخروج عن صلاحياتها. وقد تجحت السلطة التنفيذية في إلحاق هذه الهيئات المستقلة بها لغرض التأثير عليها من خلال تعيين أشخاص مقربين من أحزابها لرئاسة هذه الهيئات بالوكالة ،مثل هيئة النزاهة والبنك المركزي، الذي يشكل سمعة البلد المالية. كذلك استطاعت الحكومة من خلال برلمانيي ائتلافها لاستجواب الهيئة المستقلة للانتخابات واستطاعت استبدال موظفيها من خلال قضية فساد بسيطة بمبلغ ضئيل، بينما هناك ملفات فساد بملايين الدولارات تتغاضى عنها. وقد عمدت السلطة التنفيذية إلى التعيين بالوكالة للخروج على فقرات الدستور الذي يحصر التعيين بموافقة السلطة التشريعية. غير أن البرلمان بسبب تشكيلته التي بنيت على المحاصصة لم يستطع مساءلة السلطة التنفيذية حول التعيينات التي أجرتها بالوكالة لوزارات ومدراء مؤسسات وضباط كبار في الجيش.

كذلك تلكأت السلطة التشريعية خلال دورتين من إقرار القوانين المهمة التي تهم البلد والذي أعطى السلطة التنفيذية الفرصة للتغطية على فشلها في بعض المجالات، مثل قانون الاستثمار وقانون النفط والغاز وقانون الأحزاب، والكثير من القوانين الأخرى، فما زال البلد، بعد تسع سنوات من التغيير يدار بقوانين وتشريعات وقرارات النظام السابق.

لكن البرلمان كان سريعاً  في إقرار قوانين وقرارات تخص امتيازات أعضائه، والعجيب أن هؤلاء الفرقاء الذين يختلفون في كل شيء لا ترى فيهم من يخرج عن الاتفاق بخصوص امتيازاتهم التي بدأت بسياراتهم المدرعة وحماياتهم وقطع أراضٍ سكنية  اختاروا لها أفضل مناطق بغداد وحتى قرطاسيتهم.

ولا ننسى موقف البرلمان من تظاهرات 25/ شباط/ 2011 التي عمت جميع محافظات العراق والتي سقط فيها شهداء وجرحى، وكانت هذه التظاهرات التي دعت لها منظمات مجتمع مدني ومنظمات مهنية وجماهير خرجت بعفوية بتظاهرات سلمية دعت التظاهرات إلى إصلاح النظام والى معالجة الأزمات التي يعيشها البلد. غير أن السلطة التنفيذية وقفت بوجه هذه الممارسة التي كفلها الدستور بكل عنف وقوة وبكل مؤسساتها الأمنية وبالأخص وحدات الجيش، واعتقل الكثير من المتظاهرين والإعلاميين. وأطلق سراحهم بعد حملات إعلامية ساهمت فيها منظمات دولية. لكن البرلمان الذي يمثل هذه الجماهير التي خرجت من البصرة إلى محافظات إقليم كردستان، لم يكن له موقف مشرف، رغم وجود أصوات برلمانية شريفة وقفت مع المتظاهرين ودانت اعتداءات القوى الأمنية على المتظاهرين.

إن عجز البرلمان عن أداء دوره الحقيقي – بسب عدم وجود معارضة، لأن جميع الكتل تشترك في الحكومة – جعل الباب مفتوحاً أمام السلطة التنفيذية لتتمادى في تنفيذ واجباتها، لمعرفتها بعدم جدية البرلمان في محاسبته لها –إن وجدت- لذلك لم يشهد البرلمان محاسبة الوزراء الذين فشلوا في إدارة وزاراتهم وعلى رأسهم المسؤولون عن الملف الأمني وباقي الوزارات.

فإلى أين يقودنا برلمان المحاصصة وحكومة الشراكة ؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram