شاكر الانباريمنذ أكثر من ثلاثين سنة ونحن خائفون. من أول حرب، وأول منفى، ومهجر، وراقد في مقبرة جماعية، ونحن خائفون. منذ سقوط نظام القمع والموت، وقرع طبول الطائفية وجثثها ونحن خائفون. وها هو الخوف يستعر فينا مثل نار في هشيم. لم تمر سنوات طويلة منذ أن خرج العراقيون من المقبرة، وهم اليوم خائفون لأنهم لا يرغبون في العودة إليها ثانية. ويخطئ أي سياسي إذا اعتقد أن فئة، أو طائفة، أو قومية، ستمضي معه إلى المقبرة تلك.
التجربة ولّدت وعيها، ومن يصل إلى نقطة الوعي تصعب العودة به إلى صحراء الجهل. جزء من الصراع الدائر حاليا له علاقة بملفات الفساد، واقتسام المناصب الحكومية، والمشاركة في إدارة شؤون البلاد، والهيمنة على الكراسي. وله علاقة بمعظم ملفات البلاد غير الناجزة كالعلاقة مع الولايات المتحدة، وكركوك، وتأسيس دولة مدنية، والأقاليم، وتوزيع الثروات، وغير ذلك من ملفات، وهذا أيضا يبرر الصراع السياسي، لكن في وسائل الصراع تكمن المعضلة. تسييس تلك الملفات هو ما يشكل خطورة على الطريق الذي تسير به العملية السياسية. التخوين والدس والتشكيك والاتهام والفضح والتسقيط والرشوة والتخويف، كلها كانت عناوين بارزة لمرحلة ما قبل الانسحاب الأميركي. ولعل أكبر تلك المخاطر استخدام الشارع وتجييشه. لافتات وشعارات وطبول مواجهة طائفية قذرة. المقصود هنا ليس تظاهرات الناس المطالبة بحقوقها، لكن المسيرة ضد هذا الطرف أو ذاك، خاصة إذا ما شمّ من ذلك التجييش رائحة طائفية تتسع قليلا قليلا، وتقطع المجتمع، لا أفقيا فقط، بل عمودي أيضا. تظاهرات في سامراء والرمادي والبصرة والناصرية، ليست عفوية أبدا، تؤيد أو تدين. صحف وفضائيات تنفث سموما صرفا. وإذا ما لم ينتبه لها العقلاء والحكماء، وهم كثر في البيئة السياسية العراقية، ستستعاد إلى الأذهان تواريخ ممقوتة في الروح العراقية. تواريخ كان فيها القتل على الهوية، والتهجير، وقطع الطرق، والجثث مجهولة الهوية، والتمييز العرقي مانشيتات بارزة. كانت ثمة أدوات للصراع أفادت من سنوات الفوضى، وهي معروفة، من ميليشيات إلى إرهابيين إلى بعثيين ومهووسين دينيا، وفاسدين ومزورين وباعة ضمير، سعوا طوال سنوات القتل تلك إلى جرّ المجتمع إلى لعبتهم الجهنمية. العراقيون، وفي المحافظات كلها، يعانون نقص الخدمات كالكهرباء ومياه الشرب والمدارس والمستشفيات، ومن البطالة. هم متساوون تقريباً بشروط حياتهم، وينبغي إلا تكون تلك الشروط الحياتية القاسية مدخلا لأي تجييش طائفي. ما أنجز في السنوات القريبة السابقة يشوبه نواقص كثيرة. الصراعات التي نشهدها اليوم ينبغي أن تدفع المجتمع بعيدا عن التجييش الطائفي، بعيدا عن مشاعر الخوف، لا أن تحاول الانعطاف نحوه، فأي مؤشر على وجود نية لذلك سيدفع ثمنها الجميع. وسوف تطال الجميع، خاصة ونحن في وسط متغيرات إقليمية عميقة، أصبحت الورقة الطائفية فيها ورقة رابحة بامتياز. والأعجب في كل ذلك ظهور سياسيين غير مسؤولين، يتكلمون على الأزمة بعنجهية فائقة، وبلامسؤولية كبيرة. يحاولون تتفيه الهاوية التي تنتظرنا جميعا، بل ينكرون أصلا أن ثمة هاوية بالانتظار.... هؤلاء هم حملة السكاكين.
كلمات عارية: نحن خائفون جداً
نشر في: 30 ديسمبر, 2011: 07:05 م