د. معتز محيي عبد الحميدأيام الحياة تمضي وأدوات قياسها تختلف من شخص لآخر , ومن شعب لشعب آخر , فمنا من يحتسب أيام عمره بلحظات السعادة أو لحظات الشقاء , ومنا من يحتسبها بمكاسب أو خسائر مادية لحقت به , وآخرون يؤرخون لها بعدد الحروب والأزمات , والبعض بالكوارث التي عمت بالمنطقة ,
وبعضهم يصنفها إلى صيف وخريف وشتاء وربيع , فهطول المطر مثلا أو انحباسه هو المؤشر لهذا العام أو ذاك . ومهما اختلفت الآراء وتضاربت فالأيام هي الأيام وكل عام مضى يستقبل عاما جديدا آخر أتى لا يفصل بينهما حتى ثانية بنفس اللحظة , نودع عاما ونستقبل آخر دون أي فاصل بينهما إلا التقويم الذي ابتدعه بنو البشر , وهذا هو السر الإلهي في التواصل منذ بلايين السنيين دون إن تتوقف عجلة الحياة أو عقارب الزمان فهي وحدها التي بقيت شاهدة على ما يحدث ولم تتأثر بأي طارئ . والناس كل الناس على ظهر الأرض يعيشون لحظات تأمل وتضرع في وداع آخر خيط من متاهة العام الماضي على أمل أن يمسكوا طرف الخيط للطريق الصحيح في العام الذي يليه , وكأن عقرب السعادة معلق بانتقال عقرب الثواني في لحظة الأفول الأخير ليصبح الزمن هو وحده الذي يتولى تغيير جوانب الحياة من ظلمة دامسة جعلتنا في حالة تخبط إلى فسحة مشرقة تحملنا إلى فضاءات مزهرة .إن أكفّ عباد الله ترتفع مع نهاية كل عام ضارعة راجية من الله عز وجل إن يكون العام الجديد عام حب ورفاهية وخير يعم الجميع تتحول هذه الأيدي مع بزوغ الفجر الجديد إلى أيد مصلوبة إلى أبواب السماء لا حول لها ولا قوة لان أصحابها نسوا أو تناسوا أن التغيير يبدأ من داخلنا قبل إن ينتقل إلى سوانا . إن المتتبع للقضايا التي طرحناها في صفحتنا هذه يلاحظ أنها قضايا بدأت صغيرة ثم اتسعت رقعتها حتى فقدت زمام السيطرة عليها لنقف أمامها عاجزين مستسلمين هذا قدرنا , نبدأ بقضية واحدة وفي غفلة منا تصبح أمورنا كلها قضايا صنعناها نحن بأنفسنا نتيجة تقصيرنا أو تآمر الآخرين علينا لأسباب كثيرة .يلجا الألوف من الناس كل عام إلى المنجمين والعرافات عسى أن يجدوا لديهم خيط أمل يتمسكون به للهرب من سيل المآسي والخلافات ونحن نعلم ضمناً إن عملية ترويج بضاعتهم وهمية مبتكرة لها مروجوها وينساق الألوف المؤلفة خلفها , يرسمون مستقبلهم حسب توقعاتهم , ويتناسون إن الحياة تحمل معها الفرح والألم واليأس , والشاكون فيها أكثر من الشاكرون , وصدق الله تعالى في قوله ( ولو كنت اعلم الغيب لاستذكرت من الخير وما مسني السوء ) . هذا العمر لخصه احدهم بقوله ( الحياة مأساة لمن يشعر , ومهزلة لمن يفكر , ومتعة لمن لا يشعر ولا يفكر , فليختر كل امرئ لنفسه خانه يترجم فيها حياته ) ، يقول الأقدمون ( اختر لنفسك الدنيا أو الآخرة) وأقول بل الاثنتين لأنهما من صنع الله ، والله يحب ما صنعت يداه .وأخيرا وليس آخراً ... الأمل معقود الآن إن يبدأ كل واحد مع أول خطوة من خطوات العام الجديد على تدريب النفس للسير في الطريق الصحيح لنعيش في أجواء سليمة وحميمة , ربما نستطيع البدء بخطوة الألف ميل . وكل عام والجميع بألف خير .
تحت المجهر: ويمرّ عام آخر
نشر في: 1 يناير, 2012: 05:49 م