علي حسين على طريقة يوسف القرضاوي يتعامل بعض السياسيين مع الربيع العربي بغرض إخراج ثوراته وانتفاضاته من مضمونها الجميل والنقي، فقبل أشهر صعد القرضاوي المنبر ليتحدث بلا عقلانية عن الدور الكبير الذي لعبته حركة الإخوان المسلمين في تفجير الثورة المصرية، محاولا أن يصوّر انتفاضة شباب تونس ومصر وليبيا على أنها ثورات قادتها القوى الإسلامية، وبالامس خرج علينا السيد نوري المالكي ليقول إن "لكل نجاح وثورة سراقا، وأن "أغلب الثورات في عالمنا العربي والإسلامي تبدأ من الشريحة الإسلامية وتنتهي إلى غيرهم".
لا أتصور أن عاقلا واحدا يمكن أن ينكر أن شباب تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن هم الذين نزلوا إلى الساحات بصدور عارية وهم الذين كسروا حاجز الخوف ولم يكونوا مستثمرين للسياسة مثل الأحزاب الدينية التي سعت وتسعى إلى اختطاف الثورات لصالح مشاريعها الضيقة، ولا أعني بحديثي هذا إن الأحزاب الدينية لم تكن تتمنى أن تغيّر هذه الأنظمة، لكن محاولة البعض تزوير الوقائع والحديث بلغة بعيدة عن الشواهد والمستندات أمر يثير الاستغراب والريبة حتما، فالسيد المالكي يعرف قبل غيره أن الأحزاب الدينية لم تكن طرفا في الربيع العربي لكنها صعدت على أكتافه مثل الإخوان المسلمين والسلفيين في مصر وحزب الغنوشي في تونس وإسلاميي ليبيا مع الاعتراف بأنها قوى لا يمكن تجاهلها في الواقع السياسي العربي، لكن يبدو ان البعض يحاول أن يحرف الكثير من الحقائق حين يجعل من القرضاوي قائدا للثورة بدلا من محمد البوعزيزي أو وائل غنيم أو توكل كرمان ومئات الآلاف من شباب الربيع العربي وإذا كان شخصا مثل يوسف القرضاوي استطاع أن يأخذ المنصة من الثوار بكل سهولة، وأن يمنعهم من صعودها، فان المالكي يحاول أن يحذر العراقيين ومعهم العرب من القوى التي تريد سرقة هذه الثورات، وبالتأكيد هذه القوى إن لم تكن إسلامية فهي قوى علمانية وليبرالية حتما، طبعا موقف رئيس الوزراء ليس بجديد وهو يؤكد لنا جميعا أن المعركة الحقيقية اليوم في العراق هي في تحديد هوية الدولة، وان السؤال الاهم: هل ان الحلم بعراق ديمقراطي قد اخذ يتلاشى.مبدئيا من حق السيد المالكي او أي قوة سياسية موجودة على الساحة أن تعبر عن نفسها، تلك هي أصول الديمقراطية، وعلى الجميع أن يقبل بقواعدها، وغني عن القول أنه لا توجد حرية مفتوحة ومطلقة، كل حرية مقيدة بالقواعد التي يضعها الشعب أو تتفق عليها الغالبية. في ظرف كهذا الذي نعيشه، وفي وقت قدم العراقيين تضحيات كي يتخلصوا من النظام الديكتاتوري فلا يمكن بحال من الأحوال أن يتم اختطاف التغيير وتأميمه لمصلحة طرف سياسي واحد يقول إنه سيفصِّل الحكم على مقاسه وعلى الآخرين البحث عن بلدان أخرى ليعيشوا فيها. الأحزاب الدينية ملأت الحياة السياسية وهذا حقها، وفازت في الانتخابات.. وهذا حقها أيضا، ولا يمكن أن نلوم أي قوة سياسية إذا أرادت التعبير عن نفسها سياسيا، لكن نلوم المالكي لأنه في منصب يتطلب منه ان يقف من الجميع اسلاميين وليبراليين على مسافة واحدة، وأن يكون رئيس وزراء لكل العراقيين لا لجهة سياسية معينة. حديث المالكي ذكرني بحادثة طريفة حدثت في مصر مؤخرا فاحد مرشحي الكتلة المصرية وهي كتلة ليبرالية يحمل اسم " محمد فؤاد"، فلما قرر السلفيون والإخوان محاربته نشروا في rnالدائرة الانتخابية أن المرشح محمد فؤاد مسيحي فلا تنتخبوه … طبعا فشل محمد فؤاد في الانتخابات، لان الجمهور الذي صدق أنه مسيحي هو القاعدة العريضة لمؤيدي التيار السلفي، وأخشى أن يخرج المالكي يوما للناس ليقول لهم: احذروا الليبراليين والعلمانيين فهم لصوص، سرقوا ثماني سنوات من أعماركم.
العمود الثامن:الثورة على طريقة المالكي
نشر في: 1 يناير, 2012: 10:58 م