محمد واني لا أحد يعرف تماما إلى أين سيتجه العراق وكيف يواجه الأيام المقبلة الحبلى بالمفاجآت والتغيرات غير المتوقعة ، بخاصة بعد انسحاب القوات الأمريكية منه نهائيا. هل سيبقى موحدا ضمن الوحدة الإدارية الحالية "الهشة" أم أن رياح التغيير الجارية في المنطقة ستطول قواعده الأساسية وتحيلها إلى كانتونات وأقاليم مستقلّة وقد لاحت أولى بوادر ذلك في الآفاق
باعلان بعض المحافظات التحول إلى أقاليم أم انه يخضع للهيمنة المباشرة لدول الجوار ويتبع سياستها كما هو حال التحالف الوطني الحاكم أم إن الأوضاع ستنفجر بوجه الكتل السياسية المتنازعة والمكونات العرقية والطائفية في صراع دموي لا يبقي ولا يذر؟ كل الدلائل تشير إلى أن العراق مقبل على أيام عصيبة ومستقبل غير واضح بالمرة قد ينتهي بحدوث أسوأ السيناريوهات في الساحة السياسية العراقية في أي لحظة وهو التقسيم. فالصراع الطائفي والعرقي قائم على قدم وساق وخاصة بعد قضية نائب الرئيس الجمهورية طارق الهاشمي واتهامه بأعمال إرهابية ومشاكل وقضايا عالقة ما زالت على أشدها تبحث عن حلول و سياسة المحاصصة والمصالح الحزبية والكتلوية الضيقة مازالت قائمة والفساد الإداري والسياسي مستشر في مؤسسات الدولة بشكل فظيع. وسط هذا البحر المتلاطم من الأزمات والمشاكل الكبيرة، وفي ظل انعدام الثقة بين مختلف الشرائح الاجتماعية ، لا يمكن توقع أي خير لمستقبل العراق ولا حتى رؤية بصيص أمل في آخر النفق كما يقولون. حالة اللخبطة السياسية التي يعيشها العراق لا تحتاج إلى تصورات المحللين السياسيين ولا إلى توقعات المراقبين الاستراتيجيين أو إلى تنبؤات المنجّمين ليخبرونا بأن العراق مقبل على التفكك والتقسيم ، ليس لأن العراق مهيأ الآن أكثر من أي وقت مضى لهذا التغيير أو انه يدخل في صميم المشروع التقسيمي للشرق الأوسط الكبير الذي بشرت به أمريكا ، بل لأن طبيعة الجماعات العراقية المتنافرة تتجه إلى مثل هكذا نهاية. فالعراق منذ تأسيسه بداية القرن الماضي يعاني أشد المعاناة من المشكلة القومية والطائفية، وظلت هذه المشكلة تتفاقم وتتوسع دون أن تقوم الحكومات العراقية المتعاقبة بوضع حلول ناجعة لها ، بل بالعكس اعتادت أن تمارس القمع لإخفائها وإسكات أي صوت يدعو إلى معالجتها. ومع ذلك أطلت برأسها مرات وأكدت حضورها في مناسبات عدة ، مرة عندما اضطر الانجليز بسبب التنوع القومي والعرقي الموجود في العراق إلى اختيار رجل من الجزيرة العربية ليتولى شؤونه (فيصل الأول 1921)، ومرة عندما جلبت حكومة ياسين الهاشمي (1935)آلاف البدو العرب من خارج العراق لإسكانهم في ضواحي مدينة كركوك في حملة تعريب واسعة للمناطق الكردية ، مما أدى إلى خلق أزمة أخرى عرقية أكثر حدة ، مازالت آثارها السلبية تحول دون الوصول إلى اتفاق. وبدل أن تعالج الحكومة المشكلة العرقية القائمة أصلا في هذه المدينة أضافت لها مشكلة جديدة . وهكذا كانت سياسة الحكومة العراقية مع أزمات أخرى، ثم تبعها بسنوات (1959) حدوث مجزرة عرقية في نفس المدينة عرفت بمجزرة كركوك بين القوميات الثلاث المتصارعة العرب والكرد والتركمان، راحت فيها ضحايا كثيرة . ولم تكن الثورة الكردية المتواصلة على الحكومة المركزية إلا انعكاسا للحالة المتأزمة الدائمة التي عاش فيها العراق ولم يخرج منها لحد الآن ، وكذلك الجرائم العرقية والطائفية المتمثلة بالمقابر الجماعية التي اكتشفت في شمال البلاد وجنوبها وحملات الأنفال القمعية بحق الكرد والقصف الكيمياوي لمدنهم (1988)، وهي في مجموعها تظهر جوانب شاخصة من الأزمة العرقية والطائفية "الخالدة" التي تضرب جذورها عميقا في المجتمع العراقي . المشكلة لاتكمن في وجود الأزمة بحد ذاتها فهي قابلة للحل في أي لحظة ولكن المشكلة الكبيرة تكمن في الإصرار على عدم معالجتها والمضي قدما في وضع العراقيل أمام تقدمها في طريق الانفراج. فالحكومات العراقية المتعاقبة ومن ضمنها حكومة نوري المالكي الحالية لا تريد أن تحل الأزمات الخانقة، بل بالعكس تريد أن تتوسع فيها، وتؤدي بها إلى طرق مسدودة ، فلو كانت الحكومات العراقية جادة في حل المشاكل السياسية لأنهت أهم مشكلة واجهتها وهي المشكلة الكردية بالطرق السلمية ولما سمحت لها بأن تتطور لتصل إلى صراع دموي دام أكثر من نصف قرن ، وكذلك الحال مع المشاكل الأخرى السياسية التي يعانيها العراق .. و كنا نأمل من الحكومة الحالية التي تدعي الديمقراطية وتمثيل الجماهير أن تشمّر عن ساعديها لتعالج تلك المشاكل التي ورثتها من الأنظمة السابقة وتزيل بعضا من آثار سياستها الظالمة على الشعوب العراقية، على هدي من القانون والدستور، وتعيد إليها حياة الرخاء والسعادة التي حرمت منها طويلا و تعوضها عن سنوات الضياع والتهميش التي عاشتها في ظل السياسات القمعية المتعاقبة، ولكن شيئا من هذا لم يحدث، فما حدث أنها أثارت مشاكل جديدة وأدخلت قضايا حساسة خطيرة في المجتمع العراقي كالطائفية التي لم تكن موجودة من قبل، أو أنها كانت نائمة فأيقظتها واستعملتها كسلاح لمحاربة الخصوم السياسيين وأداة فعالة لعقد تحالفات ومعاهدات مع قوى إقليمية، بهدف تغيير الخارطة الس
هذا ما يؤدّي إلى التقسيم
نشر في: 2 يناير, 2012: 07:08 م