□ ترجمة المدىالعراق الذي غادرته الولايات المتحدة الشهر الماضي يختلف كثيرا عن العراق الذي تعرض للاجتياح عام 2003 . لقد ذهبت ببساطة " الحرب على الارهاب " و بناء الديمقراطية. السياق الجيوسياسي الذي تركته اميركا للعراق يمكن تحديده الان بخمسة تحديات خطيرة.
اولا، ان العراق يقع في مركز المواجهة الاميركية – الايرانية، و انه المكان الوحيد الذي واجه فيه الجيش الاميركي المليشيات المدعومة من ايران بشكل مباشر. ثانيا، يقف العراق في منتصف الصراع بين ايران و السعودية من اجل التفوق الاقليمي. فحكام السعودية يعارضون الحكومة الايرانية الحالية لكن ليس بالضرورة النظام الايراني نفسه، فربما يمكنهم ان يتعايشوا بسلام مع قيادة ايرانية مختلفة كما فعلوا خلال سنوات التسعينات (1990).ثالثا، مع محاولة تركيا اعادة تثبيت نفسها في الشرق الاوسط من اجل مواجهة ايران من جهة و ترويج صورتها كدولة اسلامية عصرية من جهة اخرى، فان العراق يقع في المنتصف ايضا . تعتبر تركيا راعية للكتلة العراقية البرلمانية ، و اكبر مصدر للاستثمار في اقليم كردستان العراق، كما انها تتدخل في شؤون اقليم كردستان من اجل مراقبة الحركة الانفصالية الكردية المتمركزة هناك.رابعا، ان كردستان العراق يزدهر و من المحتمل ان يتجه الى شكل من اشكال الاستقلال، واكبر دليل على ذلك ان نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي لجأ الى هناك مبتعدا عن بغداد.نجاح حكومة اقليم كردستان في توفير الامن و الخدمات – بعكس الحكومة المركزية – يحفز اليوم محافظات اخرى على المطالبة باقاليم مستقلة، وهو تحد كبير للدولة العراقية التي كانت على مدى التاريخ دولة مركزية عسكرية.اخيرا، فان الجو الحالي في العراق ينبئ بانفجار طائفي ، حيث كان العراق قد وصل الى حافة الحرب الاهلية ما بين 2005 و 2007 ، و اليوم من الممكن ان تعود تلك الكارثة مرة اخرى.كما ان وسائل الاعلام، خاصة الفضائيات الناطقة بالعربية، تؤجج المشاعر الطائفية و تساهم في تهيئة اجواء من الازمات والكوارث التي يروج لها رجال الدين الجهلة المتعصبون.يمر الشرق الاوسط اليوم بانتفاضة ذات وجهين: سرعة كبيرة في التغيير المناخي، ونقص في المياه، ونمو المدن، والتدهور البيئي، وعدم التوازن المستمر في الاقتصاد والموارد، والانفجار السكاني الذي يتزامن مع الحروب والاجتياحات والتدخلات الخارجية، و الصراع المدني والديني، و الانتفاضات الجماهيرية. ان معيشة العراقيين تستند على دولة تعتمد الى حد كبير على مورد واحد هو النفط. فالزراعة قد انهارت بشكل كبير وان مياه الرافدين تجف تدريجيا، و تلاشت المسالك التجارية التي كانت تعتمد على جغرافية العراق الفريدة، و انكمشت طرق النقل، كما ان التجارة هي مجرد اعادة تدوير للثروة المملوكة للدولة.الدول العربية التي اعقبت الامبراطورية العثمانية اثبتت بانها جميعا لم تكن مستقرة ومعرضة للعنف وهدفا للتدخلات و السيطرة الخارجية.فاذا ما بقي العراق بلا رقابة فسيبقى رهين الاضطرابات التي يمر بها حاليا ورهينا لاسعار النفط.هذه هي تركة العراق، لكن من غير المبرر ان يكون ذلك هو مصيره . على العراق ان يعيد تصوراته للشرق الاوسط و ان يخلق هياكل اقتصادية وامنية وسياسية جديدة تساعد في تقريب بلدان الشرق الاوسط الى بعضها و في نفس الوقت تخمد الخلافات العرقية والدينية في المنطقة . في الحرب الباردة الاميركية – الايرانية، على العراق ان يقاوم سحبه الى المواجهة، فان له مصالح مع كلا الجانبين و يمكن ان يلعب دورا مهما في التوسط وحتى اطفاء الصراع بينهما.وفي الصراع الاقليمي بين السعودية وايران، يجب ان يقف العراق الى جانب الحق والعدالة من خلال الدفع باتجاه انتخابات حرة نزيهة وكومة تمثيلية وحقوق الاقليات وحكم القانون في مناطق مثل البحرين وسوريا ولبنان واليمن . كما ان على العراق ان يرحب بعودة تركيا الى الشرق الاوسط لكن ليس كامبراطورية عثمانية وانما كنموذج ناجح للاقتصاد المتحرك المتأصل في دولة ديمقراطية تحترم ارثها الاسلامي.ويمكن للعراق ان يوقف انجراف حكومة اقليم كردستان نحو الاستقلال عن طريق انشاء مؤسسات وطنية مفتوحة وعادلة وثقافة مدنية . هذه هي افضل ضمانات الوحدة الوطنية.اخيرا، ومن اجل منع الحرب الطائفية في الشرق الاوسط، على العراق ان يقاوم خطابات المتطرفين و الدفع باتجاه فهم شامل للاسلام من شأنه ان يقوض إيديولوجيات الكراهية البشعة.ان سلبية قادة العراق ولامبالاتهم تجاه هذه التحديات الاساسية تتناقض مع ضراوة قتالهم من اجل السلطة السياسية والنفوذ ، وتتناقض مع سعيهم الى الربح المادي لهم ولرفاقهم.ان القيادة الحكيمة وفن السياسة يمكن ان تخرج العراق من هذا المستنقع ، والا فان القوى التي تضرب العراق و المنطقة قد تقوده الى الكارثة.■ عن: نيويورك تايمز
هل ستكون بغداد ضحية للصراع السعودي الايراني؟

نشر في: 2 يناير, 2012: 08:33 م









