حازم مبيضينلا تبعث على الدهشة مبادرة بعض الفصائل الفلسطينية التي تحترف العمل الثوري بالبيانات والتصريحات والخطابات، بمهاجمة اجتماع عمان الرامي للبحث عن وسائل عملية وجادة تتيح استئناف عملية التفاوض المباشر بين الفلسطينيين والإسرائيليين على قاعدة وفاء الدولة العبرية بالتزاماتها، وأبرزها الوقف الكامل للاستيطان في الأراضي المحتلة،
وليس غريباً أن تتبنى أجهزة إعلام معروف دورها السلبي تجاه كل تحرك واقعي لحل أزمة استمرار الاستيطان من خلال العودة إلى التفاوض المباشر ما طلعت به علينا تلك الفصائل، برغم تأكيد المشاركين كافة فيها والداعين إليها أن الأمر لا يرقى إلى استئناف للمفاوضات، التي أكد الجانب الفلسطيني مراراً وتكراراً عدم العودة إليها إلا بعد توقف الاستيطان الإسرائيلي.لا ندري إن كانت النشاطات الثورية المكثفة لمنتقدي لقاء عمان قد سمحت لهم بقراءة تصريحات النائب الإسرائيلي المتطرف آرييه الداد والتي وصف فيها الدور الأردني لإحياء عملية السلام بأنه مذل للدولة العبرية، ولعلهم وهم الذين يعتاشون على استمرار الاحتلال منشغلون بتدبيج بياناتهم التي ستقطع دابر الصهيونية وتمحو إسرائيل من خارطة الشرق الأوسط يجهلون أن الداد هذا هو الداعي والمؤيد والداعم للفكرة الجهنمية باعتبار الأردن وطناً بديلاً للفلسطينيين، ونرجو أن لا يقودنا سوء الظن إلى النظر إليهم باعتبارهم متواطئين مع هذا الداعية الصهيوني تحت شعارات الوحدة القومية أو تنفيذاً لمقولة أن الأردن ليس أكثر من أرض الحشد والرباط. لا تملك عمان ولا رام الله ترف الانشغال في صوغ البيانات الثورجية، ولا حتى في الرد عليها وهما تتحركان انطلاقاً من أرض وطنية صلبة وفي كل الاتجاهات سعياً لتحقيق حلم الفلسطينيين في بناء دولتهم الوطنية، وهما في كل ذلك يستندان إلى واقعية غير تفريطية تتيح لهما التعاطي مع كل التطورات دون مساس بصلب الأزمة التي استعصت على الحل بسبب سياسات حكومة نتنياهو المتعنتة التي تمنح الأولوية لتنفيذ أفكار المتطرفين على البحث عن سلام مقبول لدى شعوب المنطقة يتيح لها التفرغ للبناء وهي حكومة تتجاهل منذ إنشائها اليد الفلسطينية والعربية الممدودة للسلام، وليس بعيداً عن الأذهان رفضها للمبادرة العربية الجماعية، وتجاهلها التزام الرئيس الفلسطيني محمود عباس بعملية سلام جادة تقوم على أسس واضحة ووقف كامل للاستيطان الإسرائيلي.وإذا كان المفاوض الفلسطيني صائب عريقات أكد مرةً أخرى، أن لقاء عمان لا يرقى إلى استئناف للمفاوضات، وشاركته إسرائيل في هذه الرؤية، وأكد مجدداً أن المفاوضات لن تستأنف دون وقف الاستيطان والقبول المبدئي بحل الدولتين، وأن الاجتماع سيكرس لمناقشة رؤية الفلسطينيين والإسرائيليين لموضوعيْ الحدود والأمن، بناءً على طلب اللجنة الرباعية الدولية المكلفة من المجتمع الدولي بإيجاد حل نهائي للصراع، فإن المزاودين اعتبروه بأنه مضيعة للوقت ورهان على الفشل، وبأنه خطأ فادح يستفيد منه الاحتلال والرباعية ويعيد الساحة الفلسطينية إلى دوائر المراوحة والانتظار، وسيكون مدخلا لإضعاف الموقف الفلسطيني، وأنه ذر للرماد في العيون، وليس معروفاً عندنا من أي القواميس يستعيرون هذه اللغة الخشبية الخالية من أي مضمون.قبل عام وحين قررت السلطة الفلسطينية كسر الجمود بالتوجه إلى الأمم المتحدة لإعلان الدولة الفلسطينية، وهو قرار انتقدته واشنطن وإسرائيل بشدة، كانت بعض الفصائل الثورجية تقف على يمينهما وتحاول شل حركة الرئيس الفلسطيني، وحين قرر محمود عباس إنجاز المصالحة الوطنية مع حماس، متجاوزاً حجم الخراب الناجم انقلاب غزة، تطوعت بعض تلك الفصائل التي نعرف مقدرتها الفذة في إصدار بيانات التنديد، للمطالبة بما هو أكثر من ذلك، وهي تسعى للفوز الرخيص ببعض المكاسب، بعد أن فقدت كل مبرر لوجودها، بما في ذلك تأجير بنادقها لمن يدفع أكثر، وتحت شعار الثورية والمقاومة، وبياناتها الرافضة لاجتماع عمان ليست أكثر من صرخة في واد، كانت تأمل تذكير الآخرين بوجودها.
في الحدث: ثوريو الصراخ في الوديان
نشر في: 3 يناير, 2012: 08:12 م