حسين عبد الرازق في الحادية عشرة من صباح الخميس الماضي قامت قوات من الشرطة بمحاصرة المبنى الذي يشغل «المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة» أحد أدواره، واقتحمت مقر المركز بصحبة عدد من وكلاء النيابة العامة وعلى رأسهم رئيس نيابة جنوب القاهرة»، ومنعت دخول أو خروج أي من العاملين بالمركز حتى الساعة الخامسة مساء وعزلتهم عن العالم خارج المقر، وقامت بمصادرة أوراق ومستندات المركز وأجهزة الكمبيوتر
ورفضت النيابة طلب مدير المركز «ناصر أمين» عمل محضر بالأشياء المصادرة التي تم تحريزها، وتلا ذلك اقتحام 7 من منظمات المجتمع المدني هي «مؤسسة الموازنة العامة وحقوق الإنسان» و«المعهد الديمقراطي الأمريكي» و«المعهد الجمهوري الأمريكي» و«فريدم هاوس» ومؤسسة «كونراد أديناور» الألمانية و«المنظمة العربية للإصلاح الجنائي»، ضمن 17 منظمة حقوقية أعلن استهدافها بتهمة «تلقي أموال من جهات عربية وغربية بهدف زعزعة الاستقرار القومي».والهجوم على مؤسسات المجتمع المدني - الحقوقية بصفة خاصة - يستهدف إنهاء الدور المهم الذي لعبته منذ تأسيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان في ثمانينات القرن الماضي في إشاعة مبادئ وأسس الحريات العامة وثقافة حقوق الإنسان طبقا للمواثيق الدولية، والتصدي لانتهاكات حقوق الإنسان في مصر، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتكوين رأي عام رافض للتعذيب ومحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري ولاستمرار العمل بحالة الطوارئ في صورة دائمة في مصر، واللجوء للقضاء لإبطال القوانين والمواد القانونية التي تنتهك الدستور، واستصدار حكم قضائي بالحد الأدنى للأجور.. إلخ.وقد مهد الحكم وحلفاؤه لهذه الحملة التترية بالحديث عن «تمويل أجنبي مشبوه» لمنظمات ومؤسسات وأحزاب مصرية في يوليو الماضي، فنشرت «الأهرام» تقول إن «كل دول العالم تجيد اللعب في مصر، المال السياسي العابر للقارات يوظف حاليا في البلاد، التحويلات تصل يوميا للأحزاب والجماعات والمنظمات والمرشحين للرئاسة»، وسارع حلفاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة على لسان د. محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة «الإخوان المسلمين» يقول إن العالم الخارجي الآن، خاصة الصهاينة والأمريكان لا يريدون لمصر الاستقرار ولا الاستمرار، فهم أنفقوا في خمسة أشهر 240 مليون جنيه مصري أي 40 مليون دولار.وقضية التمويل الأجنبي لمؤسسات المجتمع المدني الحقوقية قضية قديمة جديدة في نفس الوقت، وفي بلاد العالم الديمقراطية يتم تمويل هذه المنظمات التي تلعب دورا حيويا من تبرعات القادرين، كما حدث في مصر عند إنشاء جامعة القاهرة أو مبرة محمد علي أو الجمعية الخيرية الإسلامية أو مستشفى المواساة، ولكن أثرياء اليوم في مصر لهم موقف محدد من منظمات المجتمع المدني الحديثة الخاصة بحقوق الإنسان والمرأة تحديدا حتى لا يثيروا غضب الحكام - سواء قبل الثورة أو بعدها - فمصالحهم مع الحكم أيا كان طبيعته، خاصة وكثير من هذه المصالح غير مشروع، وفي ظل هذا الوضع المؤسف كان من الطبيعي أن تبحث منظمات المجتمع المدني عن تمويل خارجي، مع الحرص على التفرقة بين التمويل الخارجي المشبوه المرتبط بأجندات خاصة مثل التمويل الذي تقدمه الإدارة الأمريكية مباشرة أو عبر المؤسسات المرتبطة بالحزبين الجمهوري والديمقراطي، والتمويل المرتبط بمؤسسات تمويل أهلية وحكومية لا يحمل أي شروط أو أجندات خاصة، ويخضع للمراقبة من الحكومة المصرية «وزارة التضامن بالنسبة للجمعيات الأهلية المشهرة طبقا لقانون المؤسسات والجمعيات الأهلية (84 لسنة 2002) وكذلك لمكاتب محاسبة ومراجعة قانونية، ولمراقبة الرأي العام من خلال نشر ميزانياتها وأنشطتها على المواقع الإلكترونية وفي مطبوعاتها المتاحة للمواطنين.وفي مقدمة هذه المؤسسات، مؤسسات تابعة للأمم المتحدة، مثل منظمة الأمم المتحدة لتمويل المنظمات النسائية في العالم (UNIFEMMA) ومنظمات أهلية تجمع تبرعات من مواطنيها مثل «أوكسيفام» البريطانية و«البدائل» الكندية، ومنظمات أخرى حكومية أو تابعة لأحزاب مثل «فريدريش إيبرت» الألمانية و«سيدا» السويدية.. إلخ.وقد أثارت الحملة ضد منظمات المجتمع المدني الحقوقية واقتحام «المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة»، ردود فعل واسعة داخليا وخارجيا، فأصدرت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان ومعها 24 منظمة حقوقية بيانا دانت فيه الهجمة على مؤسسات المجتمع المدني الحقوقية وقالت إن «أهداف هذه الحملة غير المسبوقة التغطية على الإخفاقات الكبرى من جانب المجلس العسكري في إدارة المرحلة الانتقالية والتنكيل بالكيانات السياسية والنشطاء القانونيين والحقوقيين، الذين تجاسروا على انتقاد سياسات المجلس العسكري» أو فضحوا الانتهاكات المزرية التي جرت في ظل إدارته، ونجحوا في بعض الحالات في إحالة انتهاكات العسكر إلى القضاء» كما دان محمد فائق باسم المجلس القومي لحقوق الإنسان المشكل بقرار من الحكومة «وناصر
العسكر والمنظمات الحقوقية
نشر في: 4 يناير, 2012: 08:16 م