هاشم العقابيلو تحدث السياسي المعمم بالطريقة ذاتها التي اعتاد عليها في الجامع أو الحسينية، فسيكون مثل لاعب كرة قدم قرر أن يمتهن السياسة فأتى لقاعة البرلمان بالفانيلة والشورت والكرة بين قدميه.أغلب سياسيينا، وللأسف، هكذا هي حالهم. فمن كان بقالا قبل أن يدخل البرلمان أو الحكومة ظل يتعامل بأسلوب البيع والشراء وشطارة التجار. وكذلك الحال مع من كان فيترجيا او سائق تاكسي أو طبيبا أو مهندسا.
لا أعيب على هؤلاء مهنتهم. ولا أقول أنه لا يحق لهم ان يكونوا سياسيين أو رؤساء او وزراء. لكن عيبهم هو أنهم نسوا أن السياسة عالم مختلف تماما عن العالم الذي أتوا منه. المشكلة التي أثارها النائب الشيخ حسين الأسدي باتهامه رئيس الجمهورية بإيواء الإرهابيين، تعد واحدا من أمثلة عدم تخلص السياسي العراقي مما اعتاد عليه ما قبل دخوله دنيا السياسة. فالشيخ قد عرفناه، قبل أن يصبح نائبا، واحدا من الشخصيات الدينية الشيعية التي دأبت قناة المستقلة اللندنية على استضافتها في برامج جدلية بين رجال الدين السنة والشيعة. وكان الرجل يدخل في نقاشات صعبة، وعقيمة أحيانا، مع خصومه. لا بهدف إقناعهم أو جذبهم إلى جانبه، بل دحرهم واثبات أنهم دائما على خطأ. وكان خصومه من الطرف الآخر يشاركونه الأسلوب ذاته ويحاولون تخطئته أو حتى تكفيره. وهذا هو شأن اغلب، إن لم اقل كل، النقاشات العقائدية التي تدور بين رجال الأديان والمذاهب المختلفة. نسي شيخنا أنه الآن سياسي. وأنه عضو في البرلمان عن كتلة تترأس السلطة، وليس ضيفا في برنامج تلفزيوني كان يحق له فيه قول ما يحب ويشتهي. وان كان يرى نفسه على صواب مطلق، في أيام قبل اشتغاله بالسياسة، لان عقله ومنطقه يستمدان قوتهما من نصوص أنزلتها السماء أو جاء بها النبي وآل بيته، فإنه اليوم كسياسي، ليس كذلك. فرجل الدين يرى في الثبات على الموقف جزءا من متطلبات الإيمان والإخلاص للعقيدة. بينما نجد السياسي لا يتردد في تغيير موقفه أو التراجع عنه كليا إذا ما وجد فيه ما يضر الشعب أو الوطن أو حتى الكتلة السياسية التي ينتمي اليها. لقد اجتهد الشيخ في تفسير مادة قانونية وهو غير قانوني، وكأنها آية قرآنية أو حديث نبوي، مثلما كان يفعل في قناة المستقلة، مما أجبر رئيس كتلته على الاعتذار للكرد ولرئيس الجمهورية وامتداحه. ثم سمعنا بان الأسدي قد اعتذر شخصيا عما صرح به، لكنه سرعان ما انكر ذلك. يبدو ان الرجل حاول ان يكون سياسيا لكنه ندم أو ربما خاف على موقعه الديني استنادا لما نسب الى الامام الحسين انه قال: "المؤمن لا يسيء ولا يعتذر". لكن السياسي على العكس تماما، يخطئ وقد يسيء ويعتذر بكل رحابة صدر. لست ضدك ايها الشيخ الفاضل، لكنها السياسة "اللعينة" التي اثبتَ أنت، ولستُ انا، أنها هي والعمامة لا تلتقيان.
سلاما ياعراق : سياسة وسياسة
نشر في: 6 يناير, 2012: 06:54 م