اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > الملاحق > "فـراديس المـاء" تـتـحـول إلــى أراض جــرداء

"فـراديس المـاء" تـتـحـول إلــى أراض جــرداء

نشر في: 7 يناير, 2012: 06:54 م

□ البصرة / علي أبو عراق أفقدته ذبابة مشاكسة صوابه، وشغلته عن تزييت ماسورة بندقية الصيد التي لم يستعملها منذ 20 عاما، قرصت خده الذي يشبه بقايا قهوة محترقة بإلحاح، فانهمر من فمه سيل من الشتائم وهو يلوح بإحدى يديه غاضبا "لعن الله الذباب.. والنظام الذي هجرنا من ديارنا.. وكل من دفننا في هذه المزبلة مثل طيور ميتة".
لم يقتصر غضب جبار حاتم (65عاما)، على الذباب بل تعداه إلى زوجته العجوز، والتي سألت مستفهمة عن سبب غضبه المفاجئ ، وبعد أن استرخت قليلا قالت "أراك تُزَيت (كسريتك) فهل سنرجع إلى ديارنا؟". وهي تعني بذلك العودة إلى الأهوار. السؤال عن العودة بات يطرحه سكان الأهوار بكثرة هذه الأيام الذين عاشوا بعيدا عن موطنهم أكثر من عقدين مضيا، وما زالوا يحلمون بالعودة إلى ديارهم التي هجروها بعد عمليات تجفيف الأهوار في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي. إعلان الحكومة الحالية عن سعيها لإعادة إنعاش الأهوار ولّد أملا جديدا في نفوس هؤلاء، لكن مخاوف المراقبين تنذر بكارثة تهدد تلك المناطق بقلة المياه التي تغمرها وارتفاع نسبة الملوحة فيها. وعمليات التجفيف التي قام بها نظام صدام حسين بدأت في ثمانينات القرن الماضي وحتى أواسط التسعينات، حيث جفت معظم تلك المسطحات المائية بعد تحويل مسار الأنهار التي كانت تزودها بالمياه، تبعها هجرة معظم سكانها. الحكومة العراقية بررت آنذاك هذا الإجراء بملاحقة معارضيها الذين كانوا يتخذون منها مكانا للاختفاء، نظرا لما توفره من بيئة مناسبة حيث المسطحات المائية الواسعة ونبات البردي الكثيف الذي يملأها، لكن تلك البيئة تغيرت تماما بعد عمليات التجفيف واختفت مع الأهوار تلك الطيور البرية التي كانت تهاجر اليها في مواسم مختلفة. الباحث في شؤون الأهوار عبد الحليم مهودر يقول إن أهوار العراق تمثل ثالث مسطح مائي عالمي يجلب الطيور المهاجرة بعد الصين وجنوب إفريقيا، كما أن مياهها الضحلة كانت تشتهر بزراعة الرز، وكان إنتاجها من هذا المحصول يغطي العراق ويتم تصدير الفائض منه إلى خارج البلاد. حاتم الذي مضى على هجرته من الأهوار قرابة 20 عاما، يستذكر رحيله من المكان ويصف تلك اللحظات بألم كبير بالقول "حملنا بعض الأغراض بعد أن بعنا ما تبقى من حيواناتنا، وتوجهنا إلى البصرة، لأننا كنا نعتقد أن غيابنا عن ديارنا سيكون مؤقتا، وبعد سقوط النظام عام 2003، كنا على يقين بالعودة إلى الديار بعد إعادة إحيائها، لكن هذا اليقين تبخر بمرور الأيام، إذ أن أهوارنا لم تغمرها المياه، ولم تزل حتى اليوم جرداء قاحلة". ذروة الهجرة من الأهوار ظهرت في تسعينات القرن الماضي، حينما ارتحل سكان الأهوار الى المناطق المجاورة لها، وفضل بعضهم النزوح الى المدن الجنوبية ومنها مدينة البصرة التي شكل مجلس المحافظة فيها لجنة خاصة أطلق عليها تسمية "لجنة إنعاش الأهوار" عام 2006.اللجنة التي بدأت عملها منذ أكثر من ثلاث سنوات، تم تكليفها بالعمل على إعادة الحياة الى الأهوار لتسهيل عودة الأهالي النازحين منها الى مناطقهم التي هجروها مُرغَمين. وبدأت اللجنة عملها بالفعل عام 2006 ضمن مشاريع وحدة الاعمار، إذ تم تخصيص 50 مليون دولار لكل محافظة من المحافظات الجنوبية الثلاث البصرة وذي قار وميسان من قبل الحكومة لمعالجة جفاف الأهوار فيها. حامد الظالمي عضو لجنة إنعاش الأهوار قال إن اللجنة انجزت نحو 90 مشروعا في الأهوار في عام 2006، منها 30 مشروعا للطرق ومثلها للكهرباء ومشاريع لتوفير المياه الصالحة للشرب وبناء المدارس. وأكد أن مشاريع عام 2007 تركزت على توفير الموارد المائية ومشاريع انشاء الطرق المُعبدة، حيث وصل عدد المُنجَز منها الى أكثر من 50 مشروعا، أما العام 2008 فركز على مشاريع التربية والصحة بشكل اساسي وتم خلاله بناء 20 مدرسة و14 مركزا صحيا. ولم تتمكن كل تلك المشاريع من إعادة الحياة الى أهوار العراق وعودة سكانها، فإعادة الحياة الى الأهوار اصطدم لاحقا بعائق جديد يتمثل بقطع إيران للروافد والأنهار الصغيرة التي كانت تغذيها. نقيب المهندسين الزراعيين في البصرة، علاء البدران يشير إلى أن المساحة الحقيقية التي تم غمرها بالمياه من الأهوار لا تتجاوز 30% مما يشكل كارثة حقيقة بسبب ارتفاع نسبة الملوحة فيها، وأن قطع إيران مياه الروافد التي تصب في شط العرب زاد من سرعة تحقق تلك الكارثة. ويضيف وصلت نسبة الإغمار في الأهوار الى 40% في عام 2003 بعدما أقدم الفلاحون على كسر السدود لإعادة الحياة إلى الأهوار، وارتفعت النسبة الى 80% عامي 2005 و2006، لكنها انخفضت مجددا بعد عام 2007 إلى 24%". البدران يؤكد ان منسوب المياه في نهر دجلة انخفض إلى سبعة مليارات و660 مترا مكعبا في الوقت الحالي بعدما كان نحو 20 مليار و930 مترا مكعبا قبل عشر سنوات وهو ما يؤثر بشكل مباشر على الأهوار، فضلا عن ارتفاع نسبة الأملاح بشكل كبير. مصادر في مديرية الموارد المائية في البصرة أكدت ان الأهوار تلاشت بنسبة 97% وتقلصت مساحتها من 20000 كم2 إلى 2000 كم2 فحسب، كما انخفضت نسبة السكان من 400000 ألف نسمة إلى 85000 ألف نسمة.فاندثار الحياة

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

اشتعال أزمة سوريا وتركيا.. ورومني يدعم تسليح المعارضة
الملاحق

اشتعال أزمة سوريا وتركيا.. ورومني يدعم تسليح المعارضة

  دمشق / BBCبعد أيام من سقوط القذائف السورية عبر الحدود إلى تركيا، ما يزال التوتر وأعمال القتل، تتصاعد على جانبي الحدود، في وقت أعلن فيه مقاتلو المعارضة قرب السيطرة على معسكر للجيش النظامي...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram