بغداد/ ماجد طوفان إذا كان الدستور هو العقد الذي يربط الدولة بالمواطن، وبدوره يمثل الأطر العامة وحتى الخاصة للممارسة القائمة على أسس ديمقراطية حقيقية، وبرغم تعدد الخطابات في البلاد، واغلبها يعتقد انه الوطني وغيره فاقد لهذه الصفة -وهذا جزء من الفوضى التي يمر بها العراق على مستوى المفاهيم والمواقف- فأن الوطنية وبأبسط تعبيراتها هي الدلالة على المواقف الايجابية والمؤيدة للوطن من الأفراد والجماعات،
ولعل مقاربة هذا المفهوم في العراق يبدو مشوشا ومرتبكا، وأصبح التنظير له يحمل بعدا طائفيا واضحا، وتنبع هذه الإشكالية وتستند الى ثقافتين مختلفتين نشأتا بشكل تراتبي عمقته الخلافات الدينية التي أفرزت مذاهب لا يجمعها سوى الاسم، وهي في متنها تحمل من الخلافات ما هو متأصل، وما هو ناتج عن الحركية التاريخية أولا، والآخر نتاج المتغيرات الجوهرية والبنيوية التي جاءت إما بفعل تدخل خارجي كما هو الحال في الشأن العراقي، أو بفعل مؤثر جماهيري شعبي كما هو الحال في ما يسمى بالربيع العربي، الشأن العراقي يحمل من اللامنطقية ما هو كثير، بجميع محمولاته (الدينية والقومية والثقافية والوطنية)، ولعل المفارقة ان الكل يدعي انه صاحب مشروع وطني، وهذه إشارة إلى أن الآخر لا يحمل هذه الصفة، وفي الوقت ذاته فقد رسخ السياسيون في أذهان البسطاء من الناس أنهم ملتزمون بالدستور، وانه المرجعية الوحيدة التي يمكن الرجوع إليها في حال الاختلاف، وهذا ما لم يحصل منذ التصويت على الدستور، والملاحظ ان الساسة عندما يصلون الى الأحاديث الجدية فأنهم يحتجون بالتوافقات، وكأنها الأساس الذي بنيت عليه العملية السياسية، وهذا يدعو للاستغراب، من جهة أخرى فأن معيار الوطنية ضاع وتشتت بين هذا الكم الهائل من التصريحات اليومية، فالكل يدعي وصلا بليلى، والسؤال من يمثل معيار الوطنية؟ هل أصحاب مشروع الإسلام السياسي؟ أم القوميون؟ أم ما تمثله الحركات والتيارات الليبرالية والعلمانية؟ ولكل هؤلاء فهم خاص به للمفاهيم، ولذا يمكن القول ان المشهد العراقي يحفل بتيارات وأحزاب تتوزع من اقصى اليمين الى اقصى اليسار، وهذا التنوع لم يكن وخلال السنوات التسع الماضية دافعا للإثراء باعتباره يحمل في مدلولاته أفقا وحيزا للتنافس الخلاق والمنتج، بقدر ما كان سببا للتقاطع، بل والقطيعة في اغلب الأوقات. ومع غياب المشروع الوطني في العراق، وهذا أصبح من المسلمات ليس عند المراقب فحسب، وإنما أصبح بديهية لدى المواطن، فأننا نتساءل، أين هو الدستور؟ وهل تم العمل به طيلة السنوات الماضية؟ والجواب هو النفي القاطع، ومن دون الرجوع للتاريخ!! لقد اصبح الدستور دمية فقط، عبارة عن نصوص رصفت في غفلة من الزمن، وعفا عليها غبار الضجيج السياسي الذي أحال حياة العراقيين إلى خراب يومي، والمتأمل (للحراك) السياسي يلاحظ وبشكل يدعو للبؤس انه يحمل من التخلف والهشاشة والصبيانية ما يجعل وعي المواطن أعلى منه، واثبت المواطن العراقي وبجدارة انه سابق لوعي وثقافة (نخبة) السياسة، التي لم يعد لديها من بضاعة سوى التناحر والتقاطع والتسقيط، وليذهب البلد إلى الجحيم، فليس من المنطق ان تغيب كل المشاريع في البلاد بما فيها الدستور، ونبقى نجتر وبشكل يومي ما بدأناه منذ عام 2003، لذا نعتقد أن الرجوع إلى الدستور –برغم علاته– هو الحل الامثل لحل كل المشاكل والقضايا العالقة، أما إذا بقينا نتمسك بالتوافق والاتفاقات والارضاءات فان هذا البلد لم ولن تقوم له قائمة، لقد أثبتت جميع الكتل والأحزاب فشلها الذريع في كل (مشاريعها) –مع التحفظ الكبير على كلمة المشاريع– وان الوقت قد حان للرجوع إلى الشعب الذي صوّت على الدستور الذي وضعه السياسيون خلف ظهورهم.
غياب المشروع الوطني هل يبرّر غياب الدستور؟

نشر في: 7 يناير, 2012: 09:21 م









