هاشم العقابيان كان المقصود بمصطلح "الربيع العربي" هو ان الشعوب العربية تنبهت أخيرا إلى ان التظاهرات الشعبية هي السبيل الاكثر فاعلية في تحقيق مطالبها وإسقاط حكامها الطغاة، فان البصرة تستحق، وبجدارة، ان تكون هي مسقط الرأس الأول لولادة هذا الربيع.
فمن البصرة انطلقت أول انتفاضة شعبية عراقية تنادي بإسقاط صدام في أول أيام طرده من الكويت في مطلع التسعينيات. ومن البصرة ايضا انطلقت "مظاهرة الكهرباء" التي تعد اول تظاهرة عراقية، بعد صدام، خالية من شوائب الطائفية وذات مطالب عملية وواعية. ولأن كتاب التاريخ العربي اعتادوا على ان يظلموننا نحن العراقيين، سجلت شهادة براءة انطلاقة الربيع العربي باسم البوعزيزي التونسي ولم تسجل باسم الشاب البصراوي حيدر سلمان داود (26 عاما)، رغم انه قتل متظاهرا قبل أن يحرق البوعزيزي نفسه بستة أشهر. قد يقول قائل، وانا اتفق معه، بأن انتفاضة البصرة الاولى لم تنجح باسقاط صدام، ولم تحقق تظاهرة الكهرباء اهدافها. لكن رغم ذلك تظل التظاهرتان، بحسابات الاسباب وليس النتائج فقط، سابقة تاريخية في وعي الشعب بحاجته للحرية وتحقيق مطالبه الشعبية. وهذا هو الربيع بعينه. ويوم أمس تناقلت الأخبار انطلاق نوع آخر من التظاهرات بالبصرة. لكنها في هذه المرة لم تكن ضد شحة الكهرباء وخراب الشوارع وانتشار الفساد وتفشي البطالة، بل كانت تأييدا لعضو برلمان اتهم رئيس الجمهورية بالإرهاب، قالت عنه الحكومة وكتلته التي جاءت به للبرلمان بأنه لا يمثل غير رأيه الشخصي. لا بد من الاشارة الى ان التظاهرات "الربيعية" غالبا ما ترافقها تظاهرات "خريفية". فمثلا نجد باليمن "ربيعيين" يطالبون بإسقاط صالح يقابلهم "خريفيون" يهتفون باسمه. كذلك هي الحال في سوريا ومصر ومن قبلهما في ليبيا. واهم ما يميز التظاهرات الربيعية عن الخريفية، هو إن الأولى تنشد مصلحة الوطن والشعب بكل طوائفه. بينما تهدف الثانية إلى دعم الحكومة أو الحاكم الظالم، وغالبا ما تكون بدوافع طائفية أو قبلية أو عرقية. وللأسف كانت تظاهرة أنصار النائب الأسدي من النوع الثاني.اذكر مرة ان الشيخ الدكتور أحمد الوائلي تساءل، في واحدة من محاضراته العاشورائية، عن جدوى مسيرات اللطم والعزاء في شوارع لندن أو حدائقها. وطالب من قام بتنظيمها ان يسأل نفسه عن الرسالة التي اراد ايصالها للبريطانيين وكيف سينظر هؤلاء لجموع اللطامة.وهنا اتساءل ايضا: ما هي رسالة تظاهرات انصار النائب الاسدي؟ وكيف سيقرأها الكرد الذين تأمل الحكومة منهم اخراج العراق من الازمة الحالية؟ هل يريد المتظاهرون من الأكراد، مثلا، ان ينأوا بأنفسهم ويتركونها حربا بين السنة والشيعة؟ولأن البصرة واحدة من مدن الجنوب المتميزة بتلونها العرقي والديني والطائفي، أسأل ايضا:الا يشعر هؤلاء "الأنصار" المتظاهرون انهم سيخيفون الاقليات الدينية والمذهبية بالبصرة، الذين يرونهم لا يهتمون بمشاعر اكبر ثاني قومية بالعراق لها اقليمها القوي والمستقر؟ فكيف يا ترى سيتعاملون مع الاقليات في محافظتهم؟لقد كان لربيعكم الفضل، يا أهل البصرة، في احياء كثير من الآمال التي كادت ان تموت في نفوسنا. فرحماكم بالعراق من خريف قد يأكل الأخضر بسعر اليابس.
سلاما ياعراق : ربيع البصرة وخريفها
نشر في: 7 يناير, 2012: 09:35 م