اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > ديزي الأمير.. استعادة الكتابة المؤنسنة

ديزي الأمير.. استعادة الكتابة المؤنسنة

نشر في: 8 يناير, 2012: 06:49 م

علي حسن الفوازيبدو أن الكثيرين قد نسوا القاصة العراقية ديزي الأمير التي كانت من ابرز قصاصي الستينيات العراقية، تلك التي كان صوتها الأنثوي بنبرته الخافتة حاملا لقلق إنساني عميق، قلق ملتبس، مسحور،  ينفتح على وجع الإنسان وهو يواجه أزمة وجوده، أزمة جسده،
 أزمة اغترابه، أزمة حريته، ولعل مجموعتها الأولى (البلد البعيد الذي تحب 1964 كانت هاجسا بهذا الحضور الذي أثار حولها شغفاً بما تحله هذه القاصة من(صوت مهموس) ومن نزعة اغترابية فيها الكثير من الرومانسية والانشداد إلى العزلة والإحساس المرعب بالوجود، لكنها الحافلة أيضاً بالحياة- الحياة التي تلذذت بها في لبنان الذي تحب- وبكل ما تحمله الأنثى من توق ورغبة عميقة وتشهيات دافقة وعميقة للوجود..نسيان ديزي الأمير يضعنا أمام فوضى النسيانات الكثيرة، تلك التي يمسّ بعضها ذاكرتنا الثقافية المترهلة وغير المنظّمة والمنقطعة عن إنتاج سياقاتها الفاعلة، والتي تفتقد كثيرا إلى شروط وآليات الاستعادة، او التي يمسّ بعضها الآخر  لحظتنا الثقافية الفارقة، تلك التي بدت أكثر عنفا، وأكثر انشدادا الى وقائع مأزومة، والى البحث عن ادوار افتراضية ومتعالية للمثقف(السردي والنقدي والعضوي)والذي اخذ يتضخم مثل الظواهر الأخرى السياسية والاجتماعية، حدّ انه فقد القدرة على التعاطي الإجرائي مع التاريخ، ومع المعنى، ومع اليوميات التي تعجّ بالناس البسطاء، والطيبات اللائي يعشقهنّ ديزي الامير، واحسب أن هذا المثقف قد فقد حتى علاقته الغريبة مع سرائر(معطفه)القديم الذي توقف عن إخراج العصافير والجنيات..ظاهرة هذا المثقف هو نموذج للمثقف الذي ينسى بإفراط، لأنه يتوهم انه مركز كبير، وأن التاريخ لا يعدو سوى(نكتة) أنتجتها الايديولوجيا، والتجريبات المضللة، لذلك ليس غريبا أن نتوه بأسماء كبيرة وظواهر اكبر، وعن مراجعات مهمة نحتاج اليها في إجراءات درسنا الثقافي النقدي، وحتى السسيوسياسي بحثا عن مرجعيات ثقافية وسياسية واجتماعية لاستكناه ما هو خفي في الأزمات التي يعيشها المثقف والسياسي.حديث نسيان(ديزي الأمير) هو جزء من الانشغال بحديث الأزمة، جزء من فوبيا قلقنا إزاء الآخرين الذين هربوا أو (هُرّبوا)من البلد الذي نحب أيضا، وجزء من محنة القراءة ذاتها بوصفها لعبة كشف، القراءة التي يمكن أن تصطنع للوعي مثيرات وحوافز، وربما تدفع باتجاه الكشف عن سمات أخرى للنص الذي لم يعد كما هو صالحا لقراءات النقاد الانطباعين الطيبين الذين يشرحون لنا أزمة المعنى فيه، وأزمة سيرورته كحكم قيمة والتي تفترض في هذا النص أن يكون خطاب أزمة وعي إزاء الآخرين، وليس خطابا للإنسان ذاته، الإنسان المصاب بلوعة الاغتراب الداخلي، والفشل في أن يكون بطلا، وفي أن يشبه الكائن ميرسو الذي يسخر من العالم، والذي يجد في اللامبالاة واللاجدوى نوعا من الموقف الاستلابي إزاء عالم فقد الكثير من أخلاقه بسبب الحروب والإيديولوجيات.. ديزي الأمير هي صورة شاحبة للمثقف الذي كان ينحاز الى ذاته بعمق وببساطة، الذات التي هرسها الخوف ورعب الآخرين، بدءا من سلطة المكان إلى (زوجة الأب)وانتهاء بسلطة الاغتراب العميقة التي صنعت لها منافي وغابات من الحرائق الداخلية، لذا أجد في استعادة قراءتها مثالا لاستعادة قراءة نموذج ثقافي مؤنسن بشكل عميق، ذلك الذي يلامس ما هو خفي في وجعنا الذي بدأ يفقد الكثير من نزعة الاحتشاد لديه- نزعة الايديولوجيا، نزعة المريدين، نزعة المحاربين - مثلما يلامس سيرورة الأنثى المفجعة بالغياب، غياب كل شيء، الأم، البلاد، الحبيبيقول عنها الناقد عفيف فراج( عالم ديزي الأمير مقطب الجبين، مكفهر، جدّه قاس، لا يحتمل، ومعاناة المرأة فيه مضاعفة مزدوجة، وهو يفتقر إلى المرح والمتعة).هذا التوصيف يضع قصص ديزي الأمير أمام قراءة مقترحة، يمتزج فيها النفسي مع الاجتماعي، بوصف أن القاصة تعاني من كآبة المدن، المدن التي تثير الضجر، والمدن التي تعيش الحر( في دوامة الحب والكراهي) لذا فان تحديد طبائع حيواتها تماهياً مع الشعور بتلك الكآبة يضع هذه القراءة تمارس نوعا من التبرير لما يمكن أن تكشف عنه بطلاتها المفجعات والحالمات والمؤنسنات، واللائي تشبهنّ كثيرا..إذ يحملنّ هاجس الخوف والعزلة والموت، وكأنهن مجبولات على نزعة عدمية غير ناتئة، تمثلا لمهيمنات الحزن العميق والقلق الملتبس الذي عاش اغترباته العميقة شاعرها الأثير وصديقها الروحي(خليل حاوي) الذي مات منتحرا تحت ضغط الإحساس بالفاجعة، فاجعة الإحساس بموته الكينوني، والتي وجد صورة لها في الاحتلال الإسرائيلي، إذ أفضت به الى الإحساس المريع بفاجعة الانهيار أمام موت حريته ومعناه..مجاميع ديزي الأمير القصصية هي اعترافاتها للآخر الذي تفترضه يصغي إليها، لا أحسبها تقدم شهادة على شيء، إنها تكتب ذاتها، هواجس وعيها، انشغالاتها بالتفاصيل، باليوميات، حدّ أن  تبدو وكأنها غير  معنية بكل الصخب الذي يصنعه الآخرون  حولها، الصخب الذي يعقّد الأشياء، وربما يفقدها بعض ايقاع حياتها الأنيقة، الوادعة، لذا هي تكتب لذة استغراقها بالأشياء، لذة الأنثى العراقية البعيدة وهي تكشف قلقها، خوفها، ارتعاشاتها، انتظارها الممل للذي إن كان

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram