محمد صادق جراديمكننا القول بأن الثورة الحسينية قد أطلقت منظومة إنسانية ذات تأثير سحري على الضمير الإنساني ويمكن ملاحظة ذلك عبر قراءة متأنية للملامح العامة للبعد الإنساني لهذه الثورة وتأثيرها على المتلقي ومن خلال دروس التضحية والإيثار والفداء التي سطرها أبطال هذه الثورة باختلاف أعمارهم وانتماءاتهم وألوانهم
في سبيل إصلاح الأمة وإطلاق كلمة لا للطغاة الذين تحكموا بمصير الشعوب .ونستطيع القول بان نهضة الإمام الحسين في محتواها الفكري والعقائدي وفي منهجها الذي يؤطرها هي إلهية وإنسانية من حيث الهدف الذي تتحرك من خلاله لتحرير الإنسان من قيود الظلم التي وضعها الطغاة بعد انتكاسة القيم التي أصابت المجتمع الإسلامي والإنساني . لذلك جاءت هذه الثورة التي تهدف إلى تصحيح المسار ومعالجة الانحراف وتحرير الإنسان من الممارسات الانحرافية والظلم الذي كان يمارس ضده من قبل السلطة..ونستطيع تأكيد هذه الحقيقة من خلال قراءة بعض آراء المفكرين الغربيين المتأثرين بالثورة الحسينية أكثر مما تأثر بها بعض أبناء المجتمع الإسلامي فلقد قال الآثاري الإنكليزي وليم لوفتس:((لقد قدم الحسين بن علي أبلغ شهادة في تاريخ الإنسانية وارتفع بمأساته إلى مستوى البطولة الفذة.))وقال المستشرق الألماني ماربين:((قدم الحسين للعالم درسا في التضحية والفداء من خلال التضحية بأعز الناس لديه ومن خلال إثبات مظلوميته وأحقيته، وأدخل الإسلام والمسلمين إلى سجل التاريخ ورفع صيتهما. لقد اثبت هذا الجندي الباسل في العالم الإسلامي لجميع البشر إن الظلم والجور لا دوام له. وان صرح الظلم مهما بدا راسخاً وهائلاً في الظاهر إلا انه لايعدو أن يكون أمام الحقيقة إلا كريشة في مهب الريح.))ولقد قام الإمام الحسين بالثورة على الواقع الفاسد ليعمل على إعادة رسم شخصية المؤمن السياسية والدينية والاجتماعية بعد أن كاد المجتمع الإسلامي أن يفقد هويته وحريته وروحه النضالية بفعل الحكم الأموي وممارساته التسلطية والاستبدادية التي تجسدت باستئثار هذا النظام بالسلطة وضربه جميع أشكال العدل والمساواة والعودة لعصور الظلم في الجاهلية واختفاء أي اثر للمفاهيم الإنسانية التي جاء بها الإسلام ليتحول المجتمع إلى جاهلي الجوهر وإسلامي المظهر .ولقد أدرك الإمام الحسين بان الأمة أصبحت تحت تأثير عوامل سلبية كثيرة أوجدتها السلطة الأموية أدت إلى خضوعها واستسلامها للشيطان وابتعدت من خلالها عن مبادئ وقيم الإسلام الحنيف الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فسادت ثقافة المجون وإباحة الملذات والمحظورات وابتعد المجتمع الإسلامي كثيرا عن الله فكانت الحاجة كبيرة وملحة لصوت وثورة تعمل على إيقاظ الضمير الإنساني من اجل عودة الفرد والمجتمع إلى جادة الحق .ومن اجل ذلك خرج الحسين(عليه السلام) قبل أن يبلغ هذا الخطر أطوارا يصبح القضاء عليه مستحيلا وقبل أن تستكين الأمة للظالم وتركن للباطل وحينها لن تتمكن كل التضحيات من تغيير الإنسان .ولولا ثورة الحسين وواقعة كربلاء لصار هذا المجتمع وهذا الفرد المشوش عاكسا سلبيا للمجتمع الإسلامي وسيتحول سلوكه إلى سيرة وتاريخ يعكس حضارة الإسلام . وهكذا بقيت هذه الثورة حية تعكس القيم النبيلة وتمنح البشرية إمكانية التفاعل مع التاريخ واخذ العبر للاستمرار في العطاء في الحاضر والمستقبل من خلال رسمها لطريق التضحية والنضال لكل المستضعفين في الأرض بوجه الظالمين , لذلك وجدنا أن الكثير من المفكرين وقادة الثورات في العالم جعلوا من ثورة الحسين نبراسا لهم نهلوا من نورها واستلهموا مبادئها وقيمها فنجحوا في الوقوف بوجه الطغاة على مر العصور .
كربلاء والبعد الإنساني
نشر في: 8 يناير, 2012: 07:55 م