TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > قرطاس: غـبــاء وكـبـريــاء!

قرطاس: غـبــاء وكـبـريــاء!

نشر في: 9 يناير, 2012: 09:41 م

 أحمد عبد الحسينفي الحرب كما في الصراع السياسيّ السلميّ يكون سؤال المتناحرين التقليديّ: ماذا علينا أن نتذكر؟ إذ ليس من وقودٍ يديم إمكانية فتكنا بأعدائنا "في الحرب" أو تسقيطهم "في السلم" إلا استذكار بشاعة العدوّ، تذكّر صفاته وأفعاله القبيحة، فنحن نقوم بشيطنة عدوّنا ومسخه لنكرهه أكثر فأكثر من أجل أن يكون قتلنا أو تسقيطنا له مستساغاً. لكننا ما أن نفكّر بالسلام حتى تهبط علينا نعمةٌ إلهية عظمى تضعف معها ذاكرتنا ويحلّ علينا نسيانٌ هو بابٌ كبير للغفران.
لا سلام إلا بعد الغفران الذي يأتي هو والنسيان في آن واحد. وفي كلّ اجتماع تفاوضيّ، يولد على طاولة الحوار سؤال جديد: ماذا علينا أن ننسى؟ضعف الذاكرة لدى السياسيّ، بالأحرى إضعافها قصداً، شرط لازم للتحاور مع الخصوم، وبمقدار ما ننسى من تأريخ خصمنا يكون بمستطاعنا تقبّله كشريك بعد أن قضينا وطراً في مناوئته.في العراق اليوم لا نكاد نسمع صوتاً ـ ولو كان هامساً ـ يدعو إلى النسيان كمقدمة للغفران. حتى تلك الأصوات التي تدّعي الحكمة والتعقّل وتدعو إلى رأب الصدع وضرورة التوحد، هي أصوات تزعق بذكرى صورة خصومها، تستذكر وجوههم وأفعالهم لتستمرّ الدورة الأبديّة التي يتناوب فيها عدوّان يدعوانِ بعضهما إلى السلامِ مع احتفاظهما بذاكرة حديديةٍ يعيد بها كلّ منهم مساوئ خصمه.يطلب السياسيّ من خصمه الاعتذار عن فعل أو قول صدر منه كمقدمة للتحاور، هذه النفحة من "الكبرياء السياسية" سيقابلها الخصم بكبرياء مضادة، الأمر الذي يديم أسباب الصراع ويذكيها، إذ ليس من صراع دمويّ إلا كان جذره العميق غباء مخلوط بكبرياء.تكثر في الحياة السياسيّة العراقية هذه الأيام دعوات الاعتذار، البعض يطالب البعض بأن يعتذر له على جريرة ارتكبها.خذ مثلاً: رئيس الوزراء يطالب صالح المطلك بالاعتذار عن تصريحات له في صحيفة أميركية وجعل اعتذاره شرطاً لعودته إلى ممارسة عمله نائباً للمالكيّ نفسه. القائمة العراقية طلبت من بعض نوابها الاعتذار كمقدمة لعودتهم إلى القائمة على إثر كسر هؤلاء النوّاب قرار قائمتهم القاضي بتعليق جلساتها في مجلس النوّاب. من يطالب آخر بالاعتذار إنما يطالبه بإظهار ندمه، والندمُ دائماً وأبداً مهنة الآخرين لا مهنتنا، الأسف يجب أن يكون أسف الآخر، والندم ندمه، والاعتذار موجهاً من قبله إلينا. هكذا تقول كبرياء سياسية تشبه إلى حدّ بعيد الكبرياء التي تعقب نزاعاً عضلياً في شارع أو مقهى.أجدى من ممارسة كبرياء كهذه، الركون إلى ضعف ذاكرة هو وحده الخليق بإنشاء حوار يمكن أن يفضي إلى حلّ.كل متحاورينِ اثنينِ ثالثهما "الكبرياء" إنما ينشئان من ذكرى حربهما السابقة خندقاً لحربهما المقبلة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram