اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > شهداء الجمهورية وأوهام محافظيها!

شهداء الجمهورية وأوهام محافظيها!

نشر في: 10 يناير, 2012: 06:14 م

عماد حسنهكذا.. بين ليلة وضحاها، أضحى الملازم نزهان صالح حسين الجبوري شهيداً وبطلاً ونجماً عابراً للطائفية (وهذا اقل ما يستحقه رجل قام بما قام به). القصة تبدأ من بعيد، من الحويجة في كركوك، إذ جاء بطلنا إلى مدينة غريبة (ربما لم يرها من قبل) ليؤدي واجبه الذي يتلخص بتأمين مدخل مدينة الناصرية من جهة الطريق السريع القادم من البصرة. وصادف إن المدخل ذاك يكون مزدحماً بزوار (الأربعينية) المنطلقين من الناصرية والبصرة قاصدين كربلاء سيراً على الأقدام.
 بطلنا التحق بعمله (واجبه) قبل أيام بعد إجازة اعتيادية قضاها مع عائلته التي تتكون من زوجة وطفلين ووالدين (ربما قرر الانضمام إلى هذا العمل الخطر لإطعام عائلته الصغيرة). كما يقول زميل له (جريح في المستشفى) بأنه كان يهاتف والديه كل يوم ويتحدث مع ابنته (المفضلة ربما) وهو يعدها بجلب هدايا كثيرة لها في المرة القادمة (وليس هنالك مرة قادمة). وبينما كان الملازم الشاب (أضيفت ألقاب أخرى لاسمه المسكين الآن) يرابط في موقعه وهو يراقب سير الزائرين، نبهته حركات غير طبيعية لشخص كان متوارياً بين الناس وهو يحاول أن يدس جسده بين تجمع كبير، توجس الملازم الشاب خيفة من هذا المجهول فأمسكه جيداً واستطاع تثبيته وتقييد حركته.. لكن بعد ثوان حصل الانفجار.. تطايرت الرؤوس والغبار وانتهى كل شيء.هذه باختصار سيرة الملازم الشاب في يومه الأخير وفي هذا العالم الغريب. لمرات كثيرة فكرت وأنا أضع نفسي مكانه. بماذا فكّر الرجل وهو يحتضن قنبلة تزن أربعين كلغم يحملها شخص ألغى كل تفكير محتمل (حتى لو خاطر) بأي شيء؛ سوى الموت. إنها شجاعة كبيرة دون شك لا أقوى على التفكير فيها، فمواجهة الموت تحتاج إلى انسجام كامل (حد التطابق) مع الذات ومع الفكرة. هل كان الملازم الشاب في تلك اللحظة منسجماً مع ذاته وفكرته يا ترى؟ لا شك، فالنتيجة التي بين أيدينا تؤكد الافتراض، والمنطق (الذي ندعي معرفته) يقول بأن أي شخص يقدر على معانقة أربعين كيلو غراماً من الـ(تي ان تي) هو قادر بالطبع على معانقة الموت. هذا ما يصطلح على تسميته الشجاعة، وهي لا تتطابق مع غير لحظتها المجردة، المؤجِلة لكل تفكير باللحظة القادمة.الملازم الشاب ترك طفلين وزوجة، في مواجهة حياة لا ترحم ومجتمع ليس أقل منها تعسفاً، طفلين لن يراهما بعد اليوم أبداً وزوجة لن يسمع ترحيبها أو توديعها عند عتبة الباب وهو يذهب إلى واجبه الأخير في كل مرة، ترك أبوين ينتظران عودته الدورية من موت قائم لا يحتاج إلا لقرارعابر ليُنفذ. ترك حديقة صغيرة يرعاها وسط جفاف أصاب كل شيء حوله وذكريات (سرية ومضحكة) أخفاها عن أصدقائه المقربين، ترك خيالاً كان يتوسله للهروب من غلظة الواقع وحب يختزنه للبقاء في عالم دون حب يذكر، ترك ملابسه المفضلة ودالية ظللت مدخل البيت، ترك واجبه ليتولاه شخص آخر (لا يعرفه ربما)، ترك ضوضاء المدن وغبارها، ترك غربته (عن هذا العالم) منزوعة قرب جثث أخرى غريبة، ترك لغو السياسيين وقصر نظرهم وحيرتهم أمام جلال موته، ترك الأغبياء يدبجون خطبهم البائسة التي لا تليق (أبدا) بموته الفريد، ترك (محافظ ذي قار) يهلوس حول أوهامه الأدبية والفكرية والأيديولوجية، ترك الأخير وهو يصادر موته (أو شهادته، إن شئتم) بقول حول واقع لا واقعَ فيه وحول حقيقة لا حقيقة لها، تركه يقول:( إن استشهاد أفراد من الجيش العراقي جاء لتثبيت المسيرة الحسينية والحفاظ على الجموع الزاحفة نحو كربلاء المقدسة).نعتذر لك (أيها البطل المسلوب البطولة) عن ضحالة سياسيينا وضآلتهم وخوائهم، نعتذر إليك عن حماقاتهم وتخبطهم ويقينهم الغبي، نعتذر إليك لأنهم أخرجوك من نبلك الشهم إلى مسيراتهم المليونية التي يستعرضون فيها قواهم المؤقتة جداً، نعتذر إليك لأنهم لم يترفقوا بموتك التراجيدي وحولوك بجملة (عابثة) من مدافع عن واجبك وشرفك ووطنك إلى حارس لصناعتهم الرديئة والمزورة لعظمة إمام كالحسين، لأنهم أخرجوك من نفسك وأدخلوك في نفس أخرى ضيقة عليك، لأنهم لم يمنحوك الفرصة لتقول عن موتك الواعي ما أردت قوله، كمموا فمك بالموت والإهمال وقالوا عكس ما حلمت به وأنت ترى جسدك (الذي لا تملك غيره) يتطاير في الهواء من عصف الانفجار. لم يرحمك أحد، لا مجرم (طَشَّر) فؤادك النبيل ليجلس على مائدة نبيه ولا محافظ اختزل لحظتك الكبيرة ليستمر في سلطة (دعوية) تحققها عشرات الزيارات وملايين يخرجون لحسين سلبتموه منا ليعلق على واجهات ريائكم ومجالس فسادكم ومطامع دنياكم. لم يرحمك أحد يا صديق حتوفنا الكثيرة والعادية، يا صديق حلمنا بعدالة جرجرها الظلم إلى المنافي والقبور والغياب الأبدي يا صديق أرواحنا التي عذبها أنين البلاد وعاقبة التواريخ. نعتذر إليك ولأبنائك الذين سيسألون بعد عشرين عاماً عن سبب موت أبيهم البعيد: أمات من أجل فقراء يذهبون كل أربعين لتقبيل إمامهم، أم من أجل إمام خبأه سياسيون (غير نزيهين) في جبب شيوخ يقتلونه كل عام؟ هل مات من اجل أن يستمر الإنسان في حبه للعدالة والرحمة أم من أجل أن يستمر الأميون في رفع رؤوس الرموز على رماح مصالحهم المشبوهة؟ هل مات من أجل الحاضر الذي نريد له أن يرفعنا، أم من أجل الماضي الذي يريدون أن يرتفعوا فيه علينا. على الأغلب لن تعرفوا الجواب أبداً، فسامحونا أيها اليتامى والباحثون عن أجوبة تسدون بها فجوات حيرتكم وارتباككم. سامحونا لأن محافظنا ـ مثله مثل اغلب سياسيينا ـ خلط بين ما أراد قوله أبوكم (نزهان) وب

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram