TOP

جريدة المدى > سينما > السينما المستقلة أفضل الفائزين.. والشرق أوروبية مستفزة

السينما المستقلة أفضل الفائزين.. والشرق أوروبية مستفزة

نشر في: 11 يناير, 2012: 07:42 م

قيس قاسم تسالونيكي تطابقت مواصفات الأفلام الفائزة بجوائز الدورة الـ52 لمهرجان تسالونيكي مع توجهاتها السينمائية، فأغلبها انتمت إلى السينما المستقلة، وأصحابها من المخرجين الشباب وبهم تَكرَس مسعى طالما حرص المهرجان على تحقيقه ووَضَعه كعلامة لتفرده عن البقية، في آن.
وإذا كانت البرمجة قد لعبت دورا في هذا، عندما وضعت أكثر أفلام الشباب والمستقلة ضمن المسابقات الرئيسية، وخاصة الدولية منها، فأن منظميه لم يَخفوا تعمدهم هذا، ولهذا كان منطقيا أن تأخذ الأفلام بمواصفاتها المختارة تلك فرصتها للخروج بأكبر فوز؛ فجائزة الكسندر الذهبية لأفضل فيلم ذهبت الى "تَحَكُم ليلي" للشابة الروسية إنجيلينا نيكونوفا، والفضية كانت من نصيب الفيلم التشيكي المستقل "ثمانون رسالة" لفاسلاف كادرنكا، ومن المدرسة نفسها أختير الأميركي مارك جونسون كأفضل مخرج عن فيلمه "من دون"، فيما أخذ "حمل الخروف" للإنكليزي جون مكيلدوف جائزة أفضل سيناريو.فيلم الروسية إنجيلينا نيكونوفا مستفز وعصي على القبول بعض الشيء. فقصة الشابة التي اغتصبها ثلاثة من رجال الشرطة الروس لم تأخذ بعدا تقليديا ينتهي بانتقام الضحية من مغتصبيها، كما هو سائد في أفلام مشابهة كثيرة، بل راحت تنسج علاقة عاطفية وجنسية مع أحدهم، وتركته في النهاية يقع في حبها، وهو ما يمثل "إغواءً" أنثويا فيه أكثر من بعد، وهو قطعا غير السائد في الوعي الجمعي العام. لقد أرادت الشابة مارينا المغتصبة أن توسع دائرة انتقامها من الشخص إلى المجتمع، الذي يسمح بل يغطي فعل الاغتصاب ضد المرأة، ومنطقية تكوينه المفسد تؤدي بالضرورة الى هذا الفعل وأكثر، وبالتالي فالانتقام الفردي لن يحل المشكلة قدر البحث عن علاج جذري لها يغير نظرة المجتمع إلى بنات جنسها والى كل ما يحيط به من حيوات، تبدو جلها ممزقة ومقهورة، حتى المُغتَصب وحين اقتربت منه مارينا وجدته محبطا ومتأثرا بفراغ عاطفي، اشتغلت عليه ليتبعها في النهاية، وأن على حساب لحظات كانت علاقتها فيه تثير في الجمهور حنقا عليها، لعدم توافق مسار الحكاية مع ما هو متفق عليه اجتماعيا وأخلاقيا، ومع هذا أصرت نيكونوفا على الذهاب إليه، ربما، لأنها وجدت فيه نفعا حين أرادت كسينمائية بحث الإشكال الدائم والمُحيّر بين الرجل المُهيمن والمرأة بوصفها كائنا مُستَضعفا، في إطاره العام، والذي تحولت مارينا داخله الى رمز لمنتقم، لا من رجل واحد، بل من المجتمع الروسي بأسره. فيلم الإنكليزي جون مكيلدوف "حمل الخروف" بدايته فيها نفس قتامة الروسي غير أنها، ومع الوقت، خفت قليلا وأعطت بارقة أمل لمحبطيه للتصالح مع عالمهم الشديد القسوة، أبطاله رأيناهم في انحدار نحو قاع مظلم. أسلوبه كفيلم طريق أعطاه مساحة جيدة ليطور صاحبه ومن خلالها شخوصه وحكايته التي ظلت محدودة رغم ذلك بشخصين: رجل وامرأة، كل واحد منهما كان يبحث عن وَلده الذي ضاع منه ولأسباب متقاربة، تعود الى اتخاذهما أسلوبا في العيش يعتمد على الهروب الى الوراء في محاولة منهما لتناسي الواقع بمؤثرات دفعتهم الى ارتكاب أفعال خطرة وأوصلتهم الى مناطق اكتشفوا أنفسهم وبعد عناء أنهم بعيدون عنها بل هي بعيدة كل البعد عن دواخلهم الباحثة عن استقرار. الفيلم مكثف وأحداثه تجري بإيقاع بطيء تتشكل عبره صورة المجتمع الإنكليزي وطبقاته الفقيرة، وكيف يضغط العوز الاقتصادي على كثيرين من المنتمين إليها ليجدوا أنفسهم عنوة خارج إطاره، من دون رغبة منهم. السيناريو الذي فاز بالجائزة كتب بعناية وركز على جوانيات أبطاله ضمن مناخ إنكليزي قاتم. ومن دون رغبتها، هي أيضا، وجدت الشابة جوسلين (الممثلة جوسلين جينسين) نفسها في عزلة مطبقة وسط غابة دفعتها للهروب الى داخلها المضطرب في محاولة لتناسي ماضي مؤلم. جهد مارك جاكسون في "من دون" استحق عليه جائزة أفضل مخرج والذي ينتمي الى المدرسة الأميركية المستقلة، وفيه دخل الى جوانيات الإنسان المعزول وكلي الانقطاع عن العالم عبر شخصيتين مركزيتين: الأولى شابة جاءت للعناية برجل عجوز مصاب بمرض الزهايمر الحاد. أقرب إلى الأموات، ما عدا نشاط بيولوجي بسيط يضعه قسراً في خانة الأحياء، وسَيُكون، بحالته هذه، الطرف الثاني في معادلة العزلة أو عالم الكائنات الطافية في حقل الانتماء إلى الـ"بدون"، إلى عدمية وجودية محيرة، دفعت جوسلين للهروب الى خيال هلوسي، مَرَضي، وحّدها مع الكائن المُحتَضر الذي جاءت للعناية به في بيت معزول وسط غابة. يذهب جاكسون في فيلمه للبحث في حالات "التفرد" القهري الذي يجد ربما الكائن البشري نفسه يوماً مجبراً على العيش فيها، كالمريض العجوز الذي صار على ما هو عليه نتيجة عجز جسماني لا دور له فيه. أما هي، الشابة القلقة، فاختارت عبور البحر لتصل إلى طرف الغابة في محاولة لنسيان ماضيها القريب وإطفاء جمر حزنها المتوقد على صديقة أحبتها وبعد موتها لم تجد أحدا ترتكن إليه سوى ذاتها ووحدتها ورجل عجوز تقاسمه وجودها الجسماني مقابل وجود شبه معدوم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

قتل مفرزة إرهابية بضربة جوية بين حدود صلاح الدين وكركوك

الامم المتحدة: إخراج سكان غزة من أرضهم تطهير عرقي

الطيران العراقي يقصف أهدافا لداعش قرب داقوق في كركوك

"إسرائيل" تستعد لإطلاق سراح عناصر من حزب الله مقابل تحرير مختطفة في العراق

حالة جوية ممطرة في طريقها إلى العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية
سينما

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

متابعة المدىوديفيد كيث لينش صانع أفلام وفنان تشكيلي وموسيقي وممثل أمريكي. نال استحسانًا لأفلامه، والتي غالبًا ما تتميز بصفاتها السريالية الشبيهة بالأحلام. في مسيرة مهنية امتدت لأكثر من خمسين عامًا، حصل على العديد من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram