قيس قاسم العجرش الجملة العجيبة التي أوردها مراسل قناة العراقية الحكومية تصلح شعاراً للمؤتمر الذي تروج له الأوساط الحكومية بطريقة عجيبة هي الأخرى. بالأخص هي تروج للنجاح المضمون سواء قبل الآخرون أم رفضوا الحضور، هكذا. الجملة تقول"إن التحضيرات مستمرة لعقد المؤتمر الوطني السياسي سواء حضرت هذه الجهة أم رفضت تلك".
وهي لا تبتعد عن أسلوب حكومي يتعامل مع الأشياء بطريقة القطار الذي لا يمنعه شيء من التقدم حتى وإن انتهى خط سكة الحديد.ثقة هائلة في المنطلق المستند إلى الدستور(من لم يسمع هذه الجملة تتكرر هذه الأيام ؟) ، الدستور الذي صوت له العراقيون بالأغلبية.ومن المفيد هنا التذكير بأن الحكومة تعاملت بشكل مماثل تقريباً مع ملف المصالحة الوطنية وسارت إلى الأمام من دون أن تلتفت لتعرف بالضبط أو نعرف نحن على الأقل من هي الجهة التي تصالحت معها ، وهل من تصالحت معه هو بالضرورة من سيكون مسؤولاً عن تهدئة العنف في العراق؟لكن أين العجب ونحن نلعب في بلاد العجب؟تتحرك الحكومة اليوم وهي تظن ألا أحد يفهم هذه الخلطة من التفارق والتناقض إلا نفسها وعقلها والمقربون منها ، وهذا أيضاً نمط عجائبي آخر من أدائها .أما المؤتمر الذي سينعقد بمن حضر فلا نفهم مغزى الانعقاد وثمة أطراف غائبة لن نسمع وجهات نظرها خلال جلساته المحفوفة بالصلوات علـّها تكون رحماً خصبة للصلح المنشود بين المختلفين .ومع ذلك فإن الديمقراطية لا تنتظر أحداً ، هذا ما يبدو عليه فحوى رسالة مراسل "العراقية "ومن خلفه الحكومة التي أفهمته بطريقة ما أن يفكر هكذا لينطق عنها كلمات بينما تنطق هي أفعالاً عن ذاتها.هذه بالحقيقة هي ديمقراطيتنا نحن فقط التي تتفرد بأداء كهذا ، نحن نربي ديمقراطية لها أنياب التماسيح ولها سرعة النسور ، تلتقط ما تشاء وتذر ما تشاء ثم ليس لأحد أن يسألها على الرغم من أن أصل كلمة "مسؤول" لغوياً يتأتى من شخص توجه له الأسئلة .ومع ذلك فديمقراطيتنا نحن هي التي تحرّف المعنى والمبنى ويتغير لها الحجر والشجر كل ثلاثة أشهر(كما نفعل بالأرصفة).مرة أخرى قطارنا لا يجد حتى محطة مهجورة يستريح فيها ،لكن العلاج برش الكلام وتدخين الجو بحريق كلماته قد ينفع في تعمية عيون الناس لبرهة ، كم سيطول الأمد بهذا الذي يراهن على البرهة أن تستدام إلى الأبد ؟ كم هي مساحة الزمن التي تتاح لمن يتفرج على المشهد بالعرض البطيء؟ لو يتخلى هؤلاء فقط عن تكذيب بأن دوام الحال دخل منذ عصور في كتب الاستحالة ، لو أنهم يتخلون فقط عن تصديق منجمي مكاتب المستشارين المحيطة بمكاتبهم ، كان المؤتمر سيكون مؤتمراً حقيقة وسيكون ناجحاً بمرجعية اللغة لتعريف كلمة" النجاح" لا تعريف الأمانة العامة لمجلس الوزراء ، وكان القانون ليأخذ مجراه حقيقة لا أن نحفر مجراه برفش مكسور.
مؤتـمر بمـن حضـر
نشر في: 16 يناير, 2012: 07:25 م