TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > عـالَـم آخــر: كرسي محافظة بغداد.. أعــــــــوج

عـالَـم آخــر: كرسي محافظة بغداد.. أعــــــــوج

نشر في: 16 يناير, 2012: 10:26 م

 سرمد الطائي ليست هذه الكلمة من قاموسي، بل هي تحذير أطلقه شرطي مرور محاولا تنبيه الصديق الإعلامي عدنان الطائي. وكان الرجل يتحدث عن مظلة شرطي المرور التي أنفقت عليها محافظة بغداد الملايين بهدف تحقيق "الرفاه" لشرطي المرور، لكنها زودته بكرسي "يكسر الظهر".
والحكاية تتصل بتسكع أسبوعي في شارع الرشيد والتحديق في مصائر أروع المباني العراقية عبر التاريخ. إنني أقول للأصدقاء إن بغداد تمتلك أطول "داون تاون" أو "مركز مدينة اثري" في الشرق الأوسط. أتخيل المباني العريقة والفخمة لكن المشوهة والمهملة حاليا، وهي تمتد من بارك السعدون نحو البتاوين، دخولا إلى شارع الرشيد وانتهاء بباب المعظم، ثم نحو الوزيرية والاعظمية وليس انتهاء بالكاظمية. إنها غابة شناشيل وواجهات حجرية ومشربيات وبالكونات مزخرفة، وتواريخ تشييد تعود لمئة عام مضت، وتواقيع معماريين متقنين حملوا من الذوق ما أنتج خمسة أو ستة شوارع هائلة وأنيقة في بغداد العثمانية والملكية.الفخامة في المعمار جزء من تاريخ للذوق واللياقة جرى إهماله خلال حقبة البعث، ثم محقه خلال حقبة "العراق الجديد". وبدل أن يأتي سياسي صاحب لياقة ليصلح الأمور بعد مغامرات صدام حسين وطيشه، جاء ساسة أنصاف أميين، او مسؤولون تنفيذيون خارجون من عوائل ممحوقة هي الأخرى ولا مساحة فيها للفخامة والأناقة، فقاموا بتغطية بغداد برداء مهلهل رديء ورث وحزين، هو انعكاس لدواخلهم التي تبدد المليارات من عوائد بترولنا، على "كرسي اعوج".أثناء التجوال في شارع الرشيد اقترح علي الإعلامي عدنان الطائي ان نلتقط صورة مع شيخنا معروف الرصافي. وأثناء ذلك حصلت دردشة طيبة مع اثنين من شرطة المرور يقفان قرب الرصافي لتنظيم السير في منطقة شوهت فخامتها العتيقة، مناظر للازبال الاسطورية والعرباين المتهالكة للحمالين. المشهد بدا كحفلة تعذيب للرصافي الذي كان ساخطا على العهد الملكي برغم فخامة مبانيه، وهو حائر اليوم أثناء تحديقه بالازبال الموزعة على بغداد والذوق السيئ في كل شيء.رحنا أنا وعدنان نتحدث مع شرطة المرور وطلبنا أن نلتقط صورا معهم. عدنان جلس داخل المظلة المخصصة للشرطة، والتي أهدتها محافظة بغداد لشرطة المرور قبل أكثر من سنة، وجاءت على شكل قبعة شرطي مرور بتصميم فج، بينما تنزل من داخل القبعة ربطة عنق ضخمة وتتحول إلى كرسي داخل المظلة. عدنان الطائي راح يجرب الجلوس على كرسي شرطي المرور كي نلتقط له صورة تذكارية. الشرطي قال لعدنان: احذر فالكرسي هذا يكسر الظهر! سألنا: كيف؟ فقال عدنان وهو يجرب الجلسة هذه: انه معوج، فالمتكأ الذي يسند إليه المرء ظهره، يجبر الجالس على الانحناء نحو الأمام، ويكسر ظهر شرطي المرور الذي يطلب منه البقاء في هذا المكان ست ساعات أحيانا.يقول الشرطي المناوب هناك: نمضي ساعات العمل ونحن نتحاشى الجلوس، فالكرسي الذي جاءت به محافظة بغداد يكسر ظهورنا ويمنعنا من الجلوس. نحن نقف على أقدامنا ساعات طويلة ونتألم لان محافظة بغداد أنفقت الملايين على مظلات مليئة بالنواقص وكراسي عوجاء.حدقنا في الفخامة العتيقة المهملة، وفي جبال الازبال التي تحير معروف الرصافي بهذا الزمن، وتساءلنا: صانع الكرسي الأعوج، واضع السياسات في هذه الدولة، هل في وسعه فهم الفخامة التاريخية لأطول "داون تاون" في الشرق الأوسط؟ هل في وسعه فهم إمكانات أن يصبح العراق دولة عظمى، من ملتقى نهريه في البصرة، حتى ينابيع روافده في الموصل؟وفي سياق كرسي اعوج آخر، سأحدثكم غدا عن سجال مع الصديق الفريق محمد العسكري الناطق باسم وزارة الدفاع، ومشهد الجندي الباحث عن الدفء بكومة حطب وسط شوارع بغداد، التي "تتلاشى فيها القاعدة".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram